الدر النظيم - إبن حاتم العاملي - الصفحة ٥٦٠
المرض: وإنكم لتبكون علينا فمن قتلنا غيركم؟! ورأيت زينب بنت علي (عليهما السلام) فلم أر والله خفرة أنطق منها كأنما تنزع عن لسان أبيها، فأومأت إلى الناس أن اسكتوا، فسكتت الأنفاس وهدأت الأجراس فقالت:
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد خاتم المرسلين، أما بعد يا أهل الكوفة، يا أهل الختل والخذل، أتبكون فلا سكتت العبرة، ولا هدأت الرنة، إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم، وأن فيكم الصلف للضيف، وذل العبد للسيف، وملق الإماء، وغمز الأعداء، أو كمرعى على دمنة، وكقصبة على ملحودة، ألا ساء ما تزرون، اي والله فابكوا كثيرا واضحكوا قليلا، ذهبتم وبؤتم بشنارها، فلن ترحضوها عنكم بغسل، وأنى ترحضون قتل من كان سليل خاتم النبوة، ومعدن الرسالة، ومدرة حجتكم، ومنار محجتكم، وسيد شباب أهل الجنة. يا أهل الكوفة ألا ساء ما سولت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم وأنتم في العذاب خالدون. أتدرون أي كبد لرسول الله فريتم؟
وأي دم سفكتم؟ وأي كريمة له أبرزتم؟ * (لقد جئتم شيئا إدا * تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا) * ولقد أتيتم بها شوهاء خرقاء طلاع الأرض والسماء، أفعجبتم أن مطرت السماء دما؟ فلعذاب الآخرة أخزى وأنتم لا تبصرون. فلا يستخفنكم المهل، فإنه لا يخفره البدار، ولا يخاف عليه فوت النار، كلا إنه لبالمرصاد. فما سمعها أحد إلا بكى.
ولما دخل رأس الحسين (عليه السلام) الكوفة جلس ابن زياد لعنه الله للناس في قصر الأمارة، وأذن للناس إذنا عاما وأمر بإحضار الرأس فوضع بين يديه، فجعل ينظر إليه ويتبسم، وفي يده قضيب يضرب به ثناياه، وكان إلى جانبه زيد بن أرقم صاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو شيخ كبير، فلما رآه يضرب بالقضيب ثناياه قال له:
ارفع قضيبك عن هاتين الشفتين، فوالله الذي لا إله إلا هو لقد رأيت شفتي رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليهما ما لا أحصيه. وانتحب باكيا.
فقال له ابن زياد: أبكى الله عينيك، أتبكي لفتح الله، والله لولا أنك شيخ قد
(٥٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 555 556 557 558 559 560 561 562 563 564 565 ... » »»