الدر النظيم - إبن حاتم العاملي - الصفحة ٥٤٧
فكان ذلك الذي سلا نفسي عنه (1).
وحدث جعفر بن سليمان، قال: حدثني من شافه الحسين (عليه السلام) بهذا الكلام، قال: حججت فأخذت ناحية الطريق أتعسف الطريق، فوقعت إلى أبنية وأخبية، فأتيت أدناها فسطاطا فقلت: لمن هذا؟ فقالوا: للحسين بن علي صلوات الله عليهما. فقلت: ابن فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ قالوا: نعم. قلت: فأيها هو؟
فأشاروا إلى فسطاط. فأتيته، فإذا هو قاعد عند عمود الفسطاط، وإذا بين يديه كتب كثيرة يقرأها. فقلت: بأبي أنت وأمي ما أجلسك في هذا الموضع الذي ليس فيه أنيس ولا منفعة. قال: إن هؤلاء - يعني السلطان وأتباعه - أخافوني، وهذه كتب أهل الكوفة إلي، وهم قاتلي لا محالة، فإذا فعلوا ذلك لم يتركوا حرمة إلا انتهكوها، فيسلط الله عليهم من يذلهم حتى يتركهم أذل من فرم الأمة (2) الفرمة بالتسكين والفرم: ما تعالج به المرأة قبلها ليضيق (3).
وقال بعض فزارة: نزلنا مع زهير بن القين منزلا لم نجد بدا عن مقاربة الحسين بن علي (عليهما السلام)، فبينا نحن نتغدى إذ أقبل رسول الحسين (عليه السلام) حتى سلم وقال: يا زهير بن القين إن أبا عبد الله بعثني إليك لتأتيه. فطرح كل انسان منا ما في يده حتى كأنما على رؤوسنا الطير فقالت له امرأته: سبحان الله يبعث إليك ابن رسول الله ثم لا تأتيه، لو أتيته فسمعت من كلامه ثم انصرفت فأتاه زهير بن القين فما لبث أن جاء مستبشرا قد أشرق وجهه، فأمر بفسطاطه وثقله فقوض وحمل إلى الحسين (عليه السلام)، ثم قال لامرأته: أنت طالق، إلحقي بأهلك فإني لا أحب أن يصيبك بسببي إلا خير. ثم قال لأصحابه: من أحب منكم أن يتبعني وإلا فهو آخر العهد، إني سأحدثكم حديثا: غزونا البحر ففتح الله علينا وأصبنا غنائم، فقال لنا سلمان الفارسي رحمة الله عليه: أفرحتم بما فتح الله عليكم وأصبتم من الغنائم؟

(١) قريب منه ما في تاريخ الطبري: ج ٤ ص ٢٨٨.
(٢) بحار الأنوار: ج ٤٤ ص ٣٦٨ باب 37 من تاريخ الحسين (عليه السلام). وفيه بدل " فرم الأمة ": قوم الأمة.
(3) في الأصل: ليذيق. وهو سهو، راجع القاموس (فرم).
(٥٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 542 543 544 545 546 547 548 549 550 551 552 ... » »»