الدر النظيم - إبن حاتم العاملي - الصفحة ٥٤٢
فلما كان في بعض الليل أتى قبر النبي (صلى الله عليه وآله) يودعه، وصلى ما شاء الله أن يصلي، وغلبته عيناه فرأى كأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في ملائكة محتوشين به، فاحتضنه وقبل بين عينيه وقال له: يا بني العجل العجل إلى جدك وأبيك وأمك وأخيك.
فانتبه (عليه السلام) فأخبر به أهل بيته، فما رأى أكثر باكيا وباكية من ليلته. ثم ودعهم وخرج فيمن خرج معه من ولده وأخوته وبني أخوته وبني عمه نحو مكة فقدمها وأقام بها خمسة أشهر أو أربعة، فورد عليه نحو ثمانمائة كتاب من أهل العراقين ببيعة أربعة وعشرين ألفا.
فبعث مسلم بن عقيل رحمة الله عليه، وكان شجاعا قويا، وكان يأخذ الرجل فيرمي به فوق البيت. فخرج مسلم حتى أتى المدينة فاكترى أعرابيين دليلين، فأخذا به البرية، فمات أحدهما عطشا، وكتب إلى الحسين (عليه السلام) يستأذنه في الرجوع، فأجابه أن امض لما أمرتك. فخرج حتى قدم الكوفة، ونزل دار المختار بن أبي عبيد الثقفي، وبايعه من أهلها ثمانية عشر ألفا سوى اهل البصرة فكتب مسلم (رضي الله عنه) إلى الحسين (عليه السلام) يستقدمه.
فدخل عبد الله (1) بن مسلم بن أبي ربيعة الحضرمي حليف بني أمية على النعمان بن بشير وكان والي الكوفة فأخبره خبره وقال له: لا يصلح [ما ترى إلا الغشم، و] هذا الذي أنت عليه فيما بينك وبين عدوك رأي المستضعفين. فقال له النعمان: لئن أكون من المستضعفين في طاعة الله أحب إلي من أن أكون من الأعزين في معصية الله.
ثم خرج عبد الله بن مسلم وكتب إلى يزيد بن معاوية يخبره، ثم كتب اليه عمارة بن عقبة بمثل كتابه، ثم كتب إليه عمر بن سعد بن أبي وقاص بمثل ذلك.
فلما وصلت الكتب إلى يزيد دعا سرجون مولى معاوية فقال له: ما رأيك؟
إن حسينا قد وجه إلى الكوفة مسلم بن عقيل يبايع له وقد بلغني عن النعمان ضعف وقول سيئ فمن ترى أن أستعمل على الكوفة؟ وكان يزيد عاتبا على عبيد الله

(1) في الأصل: عبيد الله.
(٥٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 537 538 539 540 541 542 543 544 545 546 547 ... » »»