الدر النظيم - إبن حاتم العاملي - الصفحة ٢٤٤
بما في الصحف الأولى، قائما بالتأويل والذكرى، معلقا بالأسباب الحسنى، تارك الجور والأذى، حائدا عن طرقات الردى، خير من آمن واتقى، وسيد من تقمص وارتدى، وأفضل من حج وسعى، وأخطب أهل الدنيا سوى الأنبياء والنبي المصطفى، صاحب القبلتين، فهل يوازنه أحد من الورى؟! وزوج خير النساء، وأبا السبطين، الزاهد في الدنيا، أنيس المصطفى، لم تر عيني مثله ولا ترى أحدا حتى القيامة، على من يلعنه لعنة الله والعباد إلى يوم القيامة والتناد.
حدث محمد بن قيس، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) أنه قال: والله أن كان علي (عليه السلام) ليأكل أكل العبد، ويجلس جلسة العبد، وان كان ليشتري القميصين السنبلانيين فيعطي غلامه خيرهما ثم يلبس الآخر، فإذا جاز أصابعه قطعه، وإذا جاز كعبه حذفه. ولقد ولي خمس سنين ما وضع آجرة على آجرة، ولا لبنة على لبنة، ولا قطع قطيعا، ولا أورث بيضاء ولا حمراء، وأن كان ليطعم الناس خبز البر واللحم وينصرف إلى منزله ويأكل خبز الشعير والزيت والخل، وما ورد عليه أمران كلاهما لله رضى إلا أخذ بأشدهما على بدنه، ولقد أعتق ألف مملوك من كد يديه، تربت منه يداه (1) وعرق فيه وجهه، وما أطاق عمله أحد من الناس، وأن كان ليصلي في اليوم والليلة ألف ركعة، وأن كان أقرب الناس شبها به علي بن الحسين (عليه السلام)، ما أطاق عمله أحد من الناس بعده (2).
وسمع رجل من التابعين أنس بن مالك يقول: أنزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب (عليه السلام) * (أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه... الآية) * (3).
قال إسحاق بن أبي مروان: سألت أبا جعفر محمد بن علي (عليهما السلام): كم كانت سن علي (عليه السلام) يوم قتل؟

(١) أي صار التراب في يده، وكأنه إشارة إلى عمله عليه السلام في البساتين.
(٢) أمالي الصدوق: ص ٢٣٢ باب ٤٧ ح ١٤.
(٣) بحار الأنوار: ج ٣٥ ص ٣٧٥ باب 17 ح 1.
(٢٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 239 240 241 242 243 244 245 246 247 248 249 ... » »»