الدر النظيم - إبن حاتم العاملي - الصفحة ٢٤٢
عروة بن الزبير، قال: كنا جلوسا في مجلس في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فتذاكرنا أعمال أهل بدر وبيعة الرضوان. فقال أبو الدرداء: يا قوم ألا أخبركم بأقل القوم مالا، وأكثرهم ورعا، وأشدهم اجتهادا في العبادة؟ قالوا: من؟ قال: علي بن أبي طالب. قال: فوالله إن كان في جماعة أهل المسجد إلا معرض عنه بوجهه.
ثم انتدب له رجل من الأنصار فقال له: يا عويمر لقد تكلمت بكلمة ما وافقك عليها أحد منذ أتيت بها.
فقال أبو الدرداء: يا قوم إني قائل ما رأيت، وليقل كل قوم منكم ما رأوا، شهدت علي بن أبي طالب (عليه السلام) بشويحطات النجار وقد اعتزل عن مواليه، واختفى ممن يليه، واستتر ببعيلات النخل، فافتقدته وبعد علي مكانه، فقلت ألحق بمنزله، فإذا أنا بصوت حزين ونغمة شجي وهو يقول: " إلهي كم من موبقة حلمت عني مقابلتها بنعمتك، وكم من جريرة تكرمت عن كشفها بكرمك، إلهي إن طال في عصيانك عمري وعظم في الصحف ذنبي فما أنا مؤمل غير غفرانك، ولا أنا براج غير رضوانك " فشغلني الصوت واقتفيت الأثر، فإذا هو علي بن أبي طالب (عليه السلام) بعينه، فاستترت له وأخملت الحركة، فركع ركعات في جوف الليل الغابر، ثم فرغ إلى الدعاء والبكاء والبث والشكوى، فكان مما به ناجى الله تعالى أن قال:
إلهي أفكر في عفوك فتهون علي خطيئتي، ثم أذكر العظيم من أخذك فتعظم علي بليتي. ثم قال: آه إن أنا قرأت في الصحف سيئة أنا ناسيها وأنت محصيها، فتقول خذوه، فيا له من مأخوذ لا تنجيه عشيرته، ولا تنفعه قبيلته، يرحمه الملأ إذا اذن فيه بالنداء. ثم قال: آه من نار تنضج الأكباد والكلى، آه من نار نزاعة للشوى، آه من غمرة من لهبات لظى.
قال: ثم أنعم (1) في البكاء فلم أسمع له حسا ولا حركة، فقلت: غلب عليه النوم لطول السهر أوقظه لصلاة الفجر.

(1) أنعم الرجل: أفضل وزاد.
(٢٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 237 238 239 240 241 242 243 244 245 246 247 ... » »»