الدر النظيم - إبن حاتم العاملي - الصفحة ٢٣١
تهامة مسكنا. وقالوا: يا أبا طالب إنا نقول بمقالتك.
فبكى أبو طالب ثم رفع يده إلى الله (1) جل جلاله وقال: إلهي وسيدي أسألك بالمحمدية المحمودة وبالعلوية العالية وبالفاطمية البيضاء إلا تفضلت على تهامة بالرأفة والرحمة. فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة لقد كانت العرب تكتب هذه الكلمات فتدعوا بها عند شدائدها في الجاهلية، وهي لا تعلمها ولا تعرف حقيقتها.
فلما كانت الليلة التي ولد فيها أمير المؤمنين (عليه السلام) أشرقت السماء بضيائها، وتضاعف نور نجومها، وأبصرت قريش من ذلك عجبا عجيبا، فماج بعضها في بعض وقالوا: قد حدث في السماء حادث. فخرج أبو طالب وهو يتخلل بسكك مكة وأسواقها ويقول: يا أيها الناس تمت حجة الله. فأقبل الناس يسألونه عن علة ما يرون من إشراق السماء وتضاعف نور النجوم.
فقال لهم: أبشروا فقد ظهر في هذه الليلة ولي من أولياء الله تعالى، يكمل الله فيه جميع الخير، ويختم به الوصيين، وهو إمام المتقين، وأمير المؤمنين، وناصر الدين، وقامع المشركين، وغيظ المنافقين، وزين العابدين، ووصي رسول رب العالمين، إمام هدى، ونجم على، ومصباح دجى، يتجلبب بالجود، ويهجر الكفر، ويجتنب الشرك والشبهات، فهو نفس اليقين، ورأس الدين. فلم يزل يكرر هذه الكلمات والألفاظ إلى أن أصبح. فلما أصبح غاب عن قومه أربعين صباحا.
قال جابر: فقلت: يا رسول الله إلى أين غاب؟
قال: إنه مضى يطلب المثرم ليبشره بمولد أمير المؤمنين، وكان المثرم قد مات في جبل لكام، فاكتم يا جابر ما تسمع فإنه من سرائر الله المكنونة وعلومه المخزونة. إن المثرم كان وصف لأبي طالب كهفا في جبل لكام وقال له: إنك تجدني هناك حيا أو ميتا. فلما مضى أبو طالب إلى ذلك الكهف ودخل اليه وجد المثرم ميتا، جسدا ملفوفا في مدرعته، مسجى بها إلى قبلته، وإذا هناك حيتان

(1) السماء، خ ل.
(٢٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 226 227 228 229 230 231 232 233 234 235 236 ... » »»