الدر النظيم - إبن حاتم العاملي - الصفحة ٢٣٠
فبعث الله بأبي طالب إليه، فلما أن بصر به المثرم قام إليه فقبل رأسه وأجلسه بين يديه، فقال له: من أنت يرحمك الله؟ فقال: رجل من تهامة. قال: من أي تهامة؟
قال: من مكة. قال: ممن؟ قال: من عبد مناف. قال: من أي عبد مناف؟ قال: من بني هاشم. فوثب إليه العابد فقبل رأسه ثانية وقال: الحمد لله الذي أعطاني مسألتي ولم يمتني حتى أراني وليه.
ثم قال: أبشر يا هذا فإن العلي الأعلى قد ألهمني إلهاما فيه بشارتك. قال أبو طالب: وما هو؟ قال: ولد يخرج من صلبك هو ولي الله تعالى ذكره، وهو إمام المتقين ووصي رسول رب العالمين، فإن أنت أدركت ذلك الولد فاقرئه مني السلام وقل له: إن المثرم يقرؤك السلام وهو يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأنك وصيه حقا، بمحمد تتم النبوة، وبك تتم الوصية.
قال: فبكى أبو طالب وقال: ما اسم هذا المولود؟ قال: اسمه علي.
قال أبو طالب: إني لا أعلم حقيقة ما تقول إلا ببرهان بين ودلالة واضحة. قال المثرم: فما تريد أن اسأل الله تعالى لك ليعطيك في مكانك ما يكون دلالة لك؟
قال أبو طالب: أريد طعاما من الجنة في وقتي هذا.
فدعا الراهب بذلك، فما استتم دعاءه حتى اتي بطبق عليه من فاكهة الجنة رطب وعنب ورمان، فتناول أبو طالب منه رمانة ونهض فرحا من ساعته حتى رجع إلى منزله، فواقع فاطمة بنت أسد، فحملت بعلي، فارتجت الأرض وزلزلت بهم أياما حتى لقيت قريش من ذلك شدة ففزعوا وقالوا: قوموا بآلهتكم التي في ذروة جبل أبي قبيس حتى تسألوهم أن يسكنوا ما نزل بكم وحل بساحتكم.
فلما اجتمعوا على ذروة جبل أبي قبيس جعل يرتج ارتجاجا حتى تدكدكت منه صم الصخور وتناثرت وتساقطت الآلهة على وجوههم، فلما بصروا بذلك قالوا: لا طاقة لنا بما حل بنا. فصعد أبو طالب الجبل وهو غير مكترث بما هم فيه، فقال: أيها الناس إن الله تبارك وتعالى أحدث في هذه الليلة حادثة وخلق فيها خلقا إن لم تطيعوه وتقروا بولايته وتشهدوا بإمامته لم يسكن ما بكم فلا تكن لكم
(٢٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 225 226 227 228 229 230 231 232 233 234 235 ... » »»