الدر النظيم - إبن حاتم العاملي - الصفحة ٢٢٦
بالبيت، وأنه رقد ذات يوم فرأى في منامه كأن بابا انفتح عليه من السماء فنزل منه نور فشمله، فانتبه لذلك مسرورا ومنه ذعرا. ثم نهض إلى منزله، فركب فرسه وخرج في عدة من مواليه حتى أتى راهب الجحفة، فقص عليه رؤياه، فتأولها الراهب له فقال: أما السماء التي رأيتها فهي زوجة تملكها من كرائم النساء، وأما النور الذي شملك فهو ولد يفتح الله الأرض على يديه ويكون وصي نبيه وناموس زمانه، ووصف له صفة أمير المؤمنين (عليه السلام)، وأنعته وعلامة ولادته فسر بذلك أبو طالب وأمر له ببكرة وحلة يمانية ومائة درهم، وقفل راجعا إلى مكة.
فلما كان من الغد أقبل في رهطه وولد أبيه إلى الكعبة وطاف حولها، ثم عاد إلى الحجر فرقد فيه، فرأى في منامه كأنه البس إكليلا من ياقوت وسربالا من عبقر (1) وكأن قائلا يقول: أبا طالب قرت عيناك وظفرت يداك وحسنت رؤياك، فأنا لك بالولد ومالك التلد وعظيم البلد على رغم الحسد. فانتبه فرحا وبرؤياه معجبا، وخرج من الحجر فطاف حول الكعبة.
ثم عاد إلى الحجر فرقد فيه فرأى في منامه كأن رجالا غر الوجوه كالبروق ينادونه: عبد مناف ما يثنيك عن ابنة عمك أسد بن هاشم، فعما قليل تحوي منها شرفا طيبا وذكرا عاليا، أكرم به كنزا، ولك عزا يبلغ المشارق والمغارب، ويقمع الجبت والطاغوت. فاستوى جالسا، وخرج من الحجر ماضيا لا يعرج على شئ حتى أتى أهله فخبرهم بما رأى.
ثم أقبل وأخواه حمزة والزبير إلى منزل أسد، فلم يبرحوا حتى عقدوا النكاح وأجمعوا على شهر يجتمعون فيه، ثم دلف القوم إلى منازلهم، وأقبل أبو طالب إلى الكعبة فطاف حولها، ثم دلف إلى منزله وبعث إلى القوم بكل ما عقدوا من المهر وغيره، وأعد في منزله الذبائح والطعام، فلما بلغ الوقت أقبل رهطه وولد أبيه إلى الكعبة وقريش مجتمعة وجماجم العرب مختلفة فسلم وجلس.

(١) قال ابن سيدة: عبقر قرية باليمن توشى فيها الثياب والسبط، فثيابها أجود الثياب، فصارت مثلا لكل منسوب إلى شئ رفيع. (لسان العرب: ج ٤ ص ٥٣٥ مادة " عبقر ").
(٢٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 221 222 223 224 225 226 227 228 229 230 231 ... » »»