مطالب السؤول في مناقب آل الرسول (ع) - محمد بن طلحة الشافعي - الصفحة ٢٦٩
فقالوا: أناس من شيعتك يا أمير المؤمنين.
فقال لهم خيرا، ثم قال: يا هؤلاء مالي لا أرى فيكم سمة شيعتنا، وحلية أحبتنا؟
فأمسك القوم حياء، فاقبل عليه جندب والربيع فقالا له: ما سمة شيعتكم يا أمير المؤمنين؟ فسكت، فقال همام - وكان عابدا مجتهدا -: أسألك بالذي أكرمكم أهل البيت وخصكم وحباكم لما أنبأتنا بصفة شيعتكم.
فقال (عليه السلام): شيعتنا: هم العارفون بالله، العاملون بأمر الله، أهل الفضائل، والناطقون بالصواب، مأكولهم القوت، وملبسهم الإقتصاد، ومشيهم (1) التواضع، نجعوا لله بطاعته، وخضعوا له بعبادته، فمضوا غاضين أبصارهم عما حرم الله عليهم، واقفين أسماعهم على العلم بدينهم، نزلت أنفسهم منهم في البلاء كالذي نزلت منهم في الرخاء، رضا عن الله تعالى بالقضاء، فلولا الآجال التي كتب الله لهم لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين شوقا إلى لقاء الله والثواب، وخوفا من أليم العقاب، عظم الخالق في أنفسهم، وصغر ما دونه في أعينهم، فهم والجنة كمن رآها فهم على أرائكها متكئون، وهم والنار كمن رآها فهم فيها يعذبون، صبروا أياما قليلة فأعقبتهم راحة طويلة، أرادتهم الدنيا فلم يريدوها، وطلبتهم فاعجزوها، أما الليل: فصافون أقدامهم، تالون (لأجزاء القرآن) (2) يرتلونه ترتيلا، يعضون أنفسهم بأمثاله، ويستشفون لدائهم بدواءه تارة وتارة، مفترشون جباههم وأكفهم وركبهم وأطراف أقدامهم، تجري دموعهم على خدودهم، يمجدون جبارا عظيما، ويجارون إليه في فكاك رقاب، هذا ليلهم.
وأما نهارهم: فحكماء علماء، بررة أتقياء، براهم خوف بارئهم، فهم كالقداح، تحسبهم مرضى وقد خولطوا وما هم بذلك، بل خامرهم من عظمة

1 - في نسخة (ع): ومشيتهم.
2 - أثبتناه من نسخة (م).
(٢٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 264 265 266 267 268 269 270 271 272 273 274 ... » »»