وقامت الحرب بهم على ساق * وصافحتهم بصفاح الردى مالهم واق بقي ولا راق وكان كلا بشبا سيفه وقد نضاه لا عن المحزاق وأسعرت الحرب بينهم بلظاها وأسفرت عن زرقة صبحها وحمرة ضحاها فتجادلوا وتجالدوا بألسنة رماحها وحداد ظباها، وقد تقدم من أبطال الخوارج فارس يقال له الأخنس بن العيزار الطائي - وهو ممن شهد صفين وقاتل فيها - فحمل وشق الصفوف وقصده علي (عليه السلام) فبدره بضربة فقتله، فحمل ذو الثدية على علي (عليه السلام) ليضربه فسبقه علي (عليه السلام) فضربه ضربة فلق بها البيضة من على رأسه وفلق رأسه وحمل به فرسه وهو لما به من الضربة حتى رمى به في آخر المعركة على شط النهروان في جوف دالية خربة، وخرج من بعده ابن عم له يقال له مالك بن الوضاح وحمل على علي (عليه السلام) فضربه ضربة فقتله، وتقدم عبد الله بن وهب الراسبي ثم صاح: يا بن أبي طالب والله لا تبرح هذه المعركة أو تأتي على أنفسنا أو نأتي على نفسك فابرز إلي وأبرز إليك وذر الناس جانبا.
فلما سمع علي (عليه السلام) كلامه تبسم وقال: (قاتله الله من رجل ما أقل حياءه، أما انه ليعلم أني حليف السيف وخدين الرمح ولكنه قد أيس من الحياة، أو أنه ليطمع طمعا كاذبا) ثم حمل على علي (عليه السلام) فحمل عليه علي (عليه السلام) وضربه ضربة قتله وألحقه بأصحابه القتلى، واختلط القوم فلم يكن إلا ساعة حتى قتلوا بأجمعهم، وقد كانوا أربعة آلاف فما أفلت منهم إلا تسعة أنفس، رجلان هربا إلى خراسان إلى أرض سجستان وفيها نسلهما إلى الآن، ورجلان صارا إلى بلاد عمان وفيها نسلهما إلى الآن، ورجلان صارا إلى اليمن وفيها نسلهما إلى الآن وهم الذين يقال لهم الأباضية، ورجلان صارا إلى بلاد الجزيرة إلى موضع يسمى السن والبوازيج (1) وإلى شاطئ الفرات، وصار رجل إلى تل يقال له تل موزن (2).