بالقابلية والاستعداد وجدحت بها من الفاعلية أمشاج الارشاد، أدركت صور العلوم والفضائل إدراك العيان وثبتت لها صفة الاتصاف بها بدليل وبرهان، وقد أشار بعض الفضلاء إلى هذه الحال فقال:
أخي لن تنال العلم إلا بستة * سانبيك عن مجموعها ببيان ذكاء وحرص واجتهاد وبلغة * وإرشاد أستاذ وطول زمان فان ظفرت كفاك منها بهذه * فقد نلت في العلياء أشرف شان (1) وهذه الشروط والمواد بأسرها كانت حاصلة لعلي (عليه السلام) فإنه كان في غاية الذكاء والفطنة والقابلية والاستعداد من أصل الخلقة، حريصا على متابعة النبي (ص) والتعلم منه وكان رسول الله (ص) أكمل العالم علما وأعلاهم في المعارف والفضائل محلا وكان شديد الحرص في تربية علي (عليه السلام) والإشفاق عليه في تعليمه وإرشاده إلى اكتساب الفضائل وكان في حجره من صغره على ما تقدم ذكره وشرحه في الفصل الأول ملازما له حتى كبر وفي كبره زوجه ابنته فصار صهره وكان يدخل عليه في كل الأوقات، فكانت تلك الشروط والمواد حاصلة له ومن المعلوم الذي لا يشك فيه ذوو الدراية أن التلميذ إذا كان في غاية الذكاء والحرص على التعلم والأستاذ في غاية الفضل والمعرفة والحرص على التعليم ورزق هذا التلميذ ملازمة هذا الأستاذ من صغره مستمرا في خدمته إلى كبره وطالت مدة ملازمته واستمرت له أوقات صحبته، فإنه يبلغ من العلم مبلغا عظيما وينال فيه مقاما رفيعا فوضح بهذا النوع من الاستدلال بطريق الإجمال كمال علمه وعلو مقامه في فضله، وقد صرح (عليه السلام) في مقالاته الصادرة منه وإشاراته المروية عنه بما