تنزيه الأنبياء - الشريف المرتضى - الصفحة ٢١٩
علمتم معشر الناس أن من آذى فاطمة فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله تعالى، فما الوجه في ذلك؟
(الجواب): قلنا هذا خبر باطل موضوع غير معروف ولا ثابت عند أهل النقل، وانما ذكره الكرابيسي (1) طاعنا به أمير المؤمنين صلوات الله عليه وآله، ومعارضا بذكره لبعض ما يذكره شيعته من الاخبار في أعدائه، وهيهات أن يشبه الحق بالباطل، ولو لم يكن في ضعفه إلا رواية الكرابيسي له واعتماده عليه، وهو من العداوة لأهل البيت عليهم السلام والمناصبة لهم والازراء على فضائلهم ومآثرهم على ما هو مشهور، لكفى على أن هذا الخبر قد تضمن ما يشهد ببطلانه ويقتضي على كذبه من حيث ادعى فيه أن النبي ذم هذا الفعل وخطب بإنكاره على المنابر. ومعلوم أن أمير المؤمنين (عليه السلام) لو كان فعل ذلك على ما حكى، لما كان فاعلا لمحظور في الشريعة، لان نكاح الأربع حلال على لسان نبينا محمد صلى الله عليه وآله. والمباح لا ينكره الرسول (صلى الله عليه وآله) ويصرح بذمه، وبأنه متأذبه، وقد رفعه الله عن هذه المنزلة وأعلاه عن كل منقصة ومذمة. ولو كان عليه السلام نافرا من الجمع بين بنته وبين غيرها بالطباع التي تنفر من الحسن والقبيح، لما جاز أن ينكره بلسانه، ثم ما جاز أن يبالغ في الانكار ويعلن به على المنابر وفوق رؤوس الاشهاد، ولو بلغ من إيلامه لقلبه كل مبلغ. فما هو اختص به (عليه السلام) من الحلم والكظم، ووصفه الله بأنه من جميل الاخلاق وكريم الآداب ينافي ذلك ويحيله ويمنع من اضافته إليه وتصديقه عليه. وأكثر ما يفعله مثله (عليه السلام) في هذا الامر إذا ثقل على قلبه ان يعاتب عليه سرا ويتكلم في العدول عنه خفيا على وجه جميل وبقول لطيف. وهذا المأمون الذي لا قياس بينه وبين الرسول (صلى الله عليه

(1) الكرابيسي: أبو علي، الحسين بن علي، محدث، فقيه، أصولي، متكلم، من أهل بغداد، صحب الشافعي، له تصانيف كثيرة في أصول الفقه وفروعه، والجرح والتعديل.
(٢١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 214 215 216 217 218 219 220 221 222 223 224 ... » »»
الفهرست