تنزيه الأنبياء - الشريف المرتضى - الصفحة ٢٣٠
كابن عباس وغيره، فالظنون انما تغلب بحسب الامارات. وقد تقوى عند واحد وتضعف عند آخر، لعل ابن عباس لم يقف على ما كوتب به من الكوفة، وما تردد في ذلك من المكاتبات والمراسلات والعهود والمواثيق.
وهذه أمور تختلف أحوال الناس فيها ولا يمكن الإشارة إلا إلى جملتها دون تفصيلها.
فأما السبب في أنه (ع) لم يعد بعد قتل مسلم بن عقيل، فقد بينا وذكرنا أن الرواية وردت بأنه عليه السلام هم بذلك، فمنع منه وحيل بينه وبينه.
فأما محاربة الكثير بالنفر القليل، فقد بينا أن الضرورة دعت إليها وان الدين والحزم ما اقتضى في تلك الحال الا ما فعله، ولم يبذل ابن زياد من الأمان ما يوثق بمثله. وإنما أراد إذلاله والغض من قدره بالنزول تحت حكمه، ثم يفضي الامر بعد الذل إلى ما جرى من إتلاف النفس. ولو أراد به (ع) الخير على وجه لا يلحقه فيه تبعة من الطاغية يزيد، لكان قد مكنه من التوجه نحوه استظهر عليه بمن ينفذه معه. لكن التراث البدوية والاحقاد الوثنية ظهرت في هذه الأحوال. وليس يمتنع أن يكون عليه السلام من تلك الأحوال مجوزا أن يفئ إليه قوم ممن بايعه وعاهده وقعد عنه، ويحملهم ما يكون من صبره واستسلامه وقلة ناصره على الرجوع إلى الحق دينا أو حمية، فقد فعل ذلك نفر منهم حتى قتلوا بين يديه شهداء. ومثل هذا يطمع فيه ويتوقع في أحوال الشدة.
فأما الجمع بين فعله (ع) وفعل أخيه الحسن فواضح صحيح، لان أخاه سلم كفا للفتنة وخوفا على نفسه وأهله وشيعته، واحساسا بالغدر من أصحابه. وهذا لما قوي في ظنه النصرة ممن كاتبه وتوثق له، ورأى من أسباب قوة أنصار الحق وضعف أنصار الباطل ما وجب عليه الطلب والخروج. فلما انعكس ذلك وظهرت امارات الغدر فيه وسوء الاتفاق رام
(٢٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 225 226 227 228 229 230 231 232 233 234 235 ... » »»
الفهرست