تنزيه الأنبياء - الشريف المرتضى - الصفحة ٢١٤
الأصابع كل ذلك على سبيل الحقيقة. ولهذا يقول أحدهم أدخلت يدي في الماء إلى أصول الأصابع والى الزند والى المرفق والى المنكب، فيجعل كل ذلك غاية. وقال الله تعالى: ﴿فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم﴾ (1) ومعلوم أن الكتابة تكون بالأصابع، ولو يرى أحدنا قلما فعقرت السكين أصابعه لقيل قطع يده وعقرها ونحو ذلك. وقال الله تعالى في قصة يوسف عليه السلام (فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن) (2) ومعلوم أنهن ما قطعن اكفهن إلى الزند، بل على ما ذكرناه. وإذا كان الامر على ما ذكرناه ولم يجز ان يحمل اليد على كل ما تناولته هذه اللفظة حتى يقطع من الكتف على مذهب الخوارج، لان هذا باطل عند جميع الفقهاء، وجب ان نحمله على أدنى ما تناوله، وهو من أصول الأشاجع، والقطع من الأصابع أولى بالحكمة وأرفق بالمقطوع، لأنه إذا قطع من الزند فاته من المنافع أكثر مما يفوته إذا قطع من الأشاجع. وقد روي أن علي بن أصمع سرق عيبة لصفوان، فأتى به إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقطعه من أشاجعه، فقيل له يا أمير المؤمنين أفلا من الرسغ. فقال عليه السلام فعلى أي شئ يتوكأ وبأي شي يستنجي.
ومهما شككنا فإنا لا نشك في أن أمير المؤمنين عليه السلام كان أعلم باللغة العربية من النظام وجميع الفقهاء والذين خالفوه في القطع، وأقرب إلى فهم ما نطق به القرآن. وان قوله (عليه السلام) حجة في العربية وقدوة، وقد سمع الآية وعرف اللغة التي نزل بها القرآن، فلم يذهب إلى ما ذهب إليه إلا عن خبرة ويقين.
واما دفع السارق إلى الشهود، فلا أدري من أي وجه كان عيبا وهل دفعه إليهم ليقطعوه إلا كدفعه إلى غيرهم ممن يتولى ذلك منه. وفي هذا فضل استظهار عليهم وتهييب لهم من أن يكذبوا فيعظم عليهم تولي ذلك منه

(١) البقرة ٧٩ (2) يوسف 31
(٢١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 209 210 211 212 213 214 215 216 217 218 219 ... » »»
الفهرست