وقال الآخر:
أكرم نزارا واسقه المشعشا * فإن فيه خصلات أربعا مجدا وجودا ويدا واصبعا فإن الإصبع في كل ما أوردناه المراد به الأثر الحسن والنعمة، فيكون المعنى ما من آدمي الا وقلبه بين نعمتين لله تعالى جليلتين.
فإن قيل: فما معنى تثنية النعمتين ونعم الله تعالى على عباده لا تحصى كثرة.
قلنا: يحتمل ان يكون الوجه في ذلك نعم الدنيا ونعم الآخرة، وثناهما لأنهما كالجنسين أو النوعين. وإن كان كل قبيل منهما في نفسه ذا عدد كثير.
ويمكن ان يكون الوجه في تسميتهم الأثر الحسن بالإصبع هو من حيث يشار إليه بالإصبع اعجابا وتنبيها عليه، وهذه عادتهم في تسمية الشئ بما يقع عنده وبما له به علقة وقد قال قوم ان الراعي أراد ان يقول يدا في موضع إصبع، لان اليد النعمة، فلم يمكنه. فعدل عن اليد إلى الإصبع لأنها من اليد.
وفي هذه الأخبار وجه آخر وهو أوضح من الوجه الأول وأشبه بمذهب العرب وتصرف ملاحن كلامها، وهو ان يكون الغرض في ذكر الأصابع الاخبار عن تيسير تصريف القلوب وتقليبها والفعل فيها عليه عز وجل، ودخول ذلك تحت قدرته، ألا ترى أنهم يقولون هذا الشئ في خنصري وإصبعي وفي يدي وقبضتي. كل ذلك إذا أرادوا وصفه بالتيسير والتسهيل وارتفاع المشقة فيه والمؤونة وعلى هذا المعنى يتأول المحققون قوله تعالى:
﴿والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه﴾ (1) فكأنه صلى الله عليه وآله لما أراد المبالغة في وصفه بالقدرة على تقليب