تنزيه الأنبياء - الشريف المرتضى - الصفحة ١٩٧
اعرف بهم منكم، قد صحبتهم أطفالا ورجالا فكانوا شر أطفال وشر رجال، انهم والله ما رفعوا المصاحف ليعملوا بها وانما رفعوها خديعة ودهاء ومكيدة.
فأجاب (ع) إلى التحكيم دفعا للشر القوي بالشر الضعيف، وتلافيا للضرر الأعظم بتحمل الضرر الأيسر، وأراد ان يحكم من جهته عبد الله بن العباس رحمة الله عليه فأبوا عليه ولجوا كما لجوا في أصل التحكيم، وقالوا لابد من يماني مع مضري. فقال (ع) فضموا الأشتر وهو يماني إلى عمرو، فقال الأشعث بن قيس: الأشتر هو الذي طرحنا فيما نحن فيه. واختاروا أبا موسى مقترحين له (ع) ملزمين له تحكيمه، فحكمهما بشرط ان يحكما بكتاب الله تعالى ولا يتجاوزاه، وانهما متى تعدياه فلا حكم لهما.
هذا غاية التحرز ونهاية التيقظ، لأنا نعلم أنهما لو حكما بما في الكتاب لاصابا الحق. وعلمنا ان أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام أولى بالامر، وانه لاحظ لمعاوية وذويه في شئ منه. ولما عدلا إلى طلب الدنيا ومكر أحدهما بصاحبه ونبذا الكتاب وحكمه وراء ظهورهما، خرجا من التحكيم وبطل قولهما وحكمهما، وهذا بعينه موجود في كلام أمير المؤمنين عليه السلام لما ناظر الخوارج واحتجوا عليه في التحكيم. وكل ما ذكرناه في هذا الفصل من ذكر الاعذار في التحكيم والوجوه المحسنة له مأخوذة من كلامه عليه السلام.
وقد روي ذلك عنه عليه السلام مفصلا مشروحا.
فأما تحكيمهما مع علمه بفسقهما فلا سؤال فيه، إذ كنا قد بينا ان الاكراه وقع على أصل الاختيار وفرعه، وأنه عليه السلام ألجئ إليه جملة ثم إلى تفصيله، ولو خلى عليه السلام واختياره ما أجاب إلى التحكيم أصلا، ولا رفع السيوف عن أعناق القوم. لكنه أجاب إليه ملجأ كما أجاب إلى ما اختاروه بعينه كذلك. وقد صرح (ع) بذلك في كلامه حيث يقول: لقد أمسيت أميرا وأصبحت مأمورا، وكنت أمس ناهيا وأصبحت اليوم منهيا.
(١٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 192 193 194 195 196 197 198 199 200 201 202 ... » »»
الفهرست