على قومه لبقائهم على تكذيبه وإصرارهم على الكفر ويأسه من إقلاعهم وتوبتهم، فخرج من بينهم خوفا من أن ينزل العذاب بهم وهو مقيم بينهم.
وأما قوله تعالى: (فظن أن لن نقدر عليه)، فمعناه أن لا نضيق عليه المسلك ونشدد عليه المحنة والتكليف، لأن ذلك مما يجوز أن يظنه النبي، ولا شبهة في أن قول القائل قدرت وقدرت بالتخفيف والتشديد معناه التضييق.
قال الله تعالى: ﴿ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله﴾ (1).
وقال تعالى: (الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر) (2). أي يوسع ويضيق.
وقال تعالى: (وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه) (3) أي ضيق، والتضييق الذي قدره الله عليه هو ما لحقه من الحصول في بطن الحوت وما ناله في ذلك من المشقة الشديدة إلى أن نجاه الله تعالى منها.
وأما قوله تعالى: (فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) (4) فهو على سبيل الانقطاع إلى الله تعالى والخشوع له والخضوع بين يديه، لأنه لما دعاه لكشف ما امتحنه به وسأله أن ينجيه من الظلمات التي هي ظلمة البحر وظلمة بطن الحوت وظلمة الليل، فعل ما يفعله الخاضع الخاشع من الانقطاع والاعتراف بالتقصير، وليس لأحد أن يقول كيف يعترف بأنه كان من الظالمين ولم يقع منه ظلم، وهل هذا إلا الكذب بعينه؟ وليس يجوز أن يكذب النبي (ع) في حال خضوع ولا غيره،