تنزيه الأنبياء - الشريف المرتضى - الصفحة ١٤٦
وفيه وجه آخر: وهو أنه تعالى. أراد بهذا القول تعريف عيسى عليه السلام أن قوما قد اعتقدوا فيه وفي أمه أنهما إلهان، لأنه ممكن أن يكون عيسى (ع) لم يعرف ذلك إلا في تلك الحال. ونظيره في التعارف أن يرسل الرجل رسولا إلى قوم فيبلغ الرسول رسالته ويفارق القوم فيخالفونه بعده ويبدلون ما أتى به وهو لا يعلم، ويعلم المرسل له ذلك، فإذا أحب أن يعلمه مخالفة القوم له جاز أن يقول له أأنت أمرتهم بكذا وكذا على سبيل الإخبار له بما صنعوا.
بيان معنى النفس في اللغة:
فأما قوله (ع): تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك، فإن لفظة النفس تنقسم في اللغة إلى معان مختلفة.
فالنفس نفس الانسان أو غيره من الحيوان، وهي التي إذا فقدها خرج عن كونه حياء. ومنه قوله تعالى: ﴿كل نفس ذائقة الموت﴾ (1) والنفس أيضا ذات الشئ الذي يخبر عنه كقولهم: فعل ذلك فلان نفسه، إذا تولى فعله. وأعطى كذا وكذا بنفسه. والنفس أيضا الآنفة، كقولهم: ليس لفلان نفس، أي لا أنفة له. والنفس أيضا الإرادة، يقولون نفس فلان في كذا وكذا أي إرادته.
قال الشاعر:
فنفسان نفس قالت ائت ابن بجدل * تجد فرجا من كل غم تهابها ونفس تقول اجهد بحال ولا تكن * كخاضبة لم يغن شيئا خضابها ومنه أن رجلا قال للحسن: يا أبا سعيد لم أحجج قط إلا ولي نفسان،

(١) آل عمران ١٨٥ والأنبياء 35 والعنكبوت 57
(١٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 141 142 143 144 145 146 147 148 149 150 151 ... » »»
الفهرست