تنزيه الأنبياء - الشريف المرتضى - الصفحة ١٣٧
أشياء (منها): أن سليمان عليه السلام قال يوما في مجلسه وفيه جمع كثير:
" لأطوفن الليلة على مائة امرأة تلد كل امرأة منهن غلاما يضرب بالسيف في سبيل الله " وكان له فيما روي عدد كثير من السراري، فأخرج كلامه على سبيل المحبة بهذا الحال، فنزهه الله تعالى عن الكلام الذي ظاهره الحرص على الدنيا والتثبت بها لئلا يقتدى به في ذلك، فلم تحمل من نسائه إلا امرأة واحدة فألقت ولدا ميتا، فحمل حتى وضع على كرسيه جسدا بلا روح تنبيها له على أنه ما كان يجب بأن يظهر منه ما ظهر، فاستغفر ربه وفزع إلى الصلاة والدعاء.
وهذا الوجه إذا صح ليس يقتضي معصية صغيرة على ما ظنه بعضهم حتى نسب الاستغفار والإنابة إلى ذلك، وذلك لأن محبة الدنيا على الوجه المباح ليس بذنب وإن كان غيره أولى منه، والاستغفار عقيب هذه الحال لا يدل على وقوع ذنب في الحال ولا قبلها، بل يكون محمولا على ما ذكرناه آنفا في قصة داود عليه السلام من الانقطاع إلى الله تعالى وطلب ثوابه.
فأما قول بعضهم: إن ذنبه من حيث لم يستثن بمشيئة الله تعالى لما قال: تلد كل امرأة واحدة منهن غلاما. وهذا غلط لأنه (ع) وإن لم يستثن ذلك لفظا قد استثناه ضميرا أو اعتقادا. إذ لو كان قاطعا مطلقا للقول لكان كاذبا أو مطلقا لما لا يأمن أن يكون كذبا، وذلك لا يجوز عند من جوز الصغائر على الأنبياء عليهم السلام.
وأما قول بعضهم: إنه (ع) إنما عوتب واستغفر لأجل أن فريقين اختصما إليه، أحدهما من أهل جرادة امرأة له كان يحبها، فأحب أن يقع القضاء لأهلها فحكم بين الفريقين بالحق، وعوتب على محبة موافقة الحكم لأهل امرأته، فليس هذا أيضا بشئ لأن هذا المقدار الذي ذكروه ليس بذنب يقتضي عتابا إذا كان لم يرد القضاء بما يوافق امرأته على كل حال، بل مال طبعه إلى أن يكون الحق موافقا لقول فريقها، وأن يتفق أن يكون في جهتها
(١٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 132 133 134 135 136 137 138 139 140 141 142 ... » »»
الفهرست