تنزيه الأنبياء - الشريف المرتضى - الصفحة ١٥٣
ويحدثه بالمعاصي ويغريه بها ويدعوه إليها. وأن الله تعالى ينسخ ذلك ويبطله بما يرشده إليه من مخالفة الشيطان وعصيانه وترك إسماع غروره.
وأما الأحاديث المروية في هذا الباب فلا يلتفت إليها من حيث تضمنت ما قد نزهت العقول الرسل عليهم السلام عنه. هذا لو لم يكن في أنفسها مطعونة ضعيفة عند أصحاب الحديث بما يستغني عن ذكره. وكيف يجيز ذلك على النبي صلى الله عليه وآله من يسمع الله تعالى يقول: (كذلك لنثبت به فؤادك (1) يعني القرآن. وقوله تعالى: (ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين) (2). وقوله تعالى: (سنقرئك فلا تنسى) (3). على أن من يجيز السهو على الأنبياء عليهم السلام يجب أن لا يجيز ما تضمنته هذه الرواية المنكرة لما فيها من غاية التنفير عن النبي صلى الله عليه وآله لأن الله تعالى قد جنب نبيه من الأمور الخارجة عن باب المعاصي، كالغلظة والفظاظة وقول الشعر وغير ذلك مما هو دون مدح الأصنام المعبودة دون الله تعالى. على أنه لا يخلو صلى الله عليه وآله وحوشي مما قذف به من أن يكون تعمد ما حكوه، وفعله قاصدا أو فعله ساهيا ولا حاجة بنا إلى إبطال القصد في هذا الباب والعمد لظهوره، وإن كان فعله ساهيا فالساهي لا يجوز أن يقع منه مثل هذه الألفاظ المطابقة لوزن السورة وطريقها، ثم لمعنى ما تقدمها من الكلام. لأنا نعلم ضرورة أن من كان ساهيا لو أنشد قصيدة لما جاز أن يسهو حتى يتفق منه بيت شعر في وزنها وفي معنى البيت الذي تقدمه وعلى الوجه الذي يقتضيه فائدته، وهو مع ذلك يظن أنه من القصيدة التي ينشدها. وهذا ظاهر في بطلان هذه الدعوى على النبي صلى الله عليه وآله على أن الموحى إليه من الله النازل بالوحي وتلاوة القرآن

(١) الفرقان ٢٢ (2) الحاقة 44 - 46 (3) الأعلى 6
(١٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 ... » »»
الفهرست