تنزيه الأنبياء - الشريف المرتضى - الصفحة ١٤٣
وذلك أنه يمكن أن يريد بقوله إني كنت من الظالمين، أي من الجنس الذي يقع منهم الظلم، فيكون صدقا، وإن ورد على سبيل الخضوع والخشوع لأن جنس البشر لا يمتنع منه وقوع الظلم.
فإن قيل: فأي فايدة في أن يضيف نفسه إلى الجنس الذي يقع منهم الظلم إذا كان الظلم منتفيا عنه في نفسه؟.
قلنا: الفايدة في ذلك التطامن لله تعالى والتخاضع ونفي التكبر والتجبر، لأن من كان مجتهدا في رغبة إلى مالك قدير، فلا بد من أن يتطأطأ، ويجتهد في الخضوع بين يديه، ومن أكبر الخضوع أن يضيف نفسه إلى القبيل الذي يخطئون ويصيبون كما يقول الانسان، إذا أراد أن يكسر نفسه وينفي عنها دواعي الكبر والخيلاء: إنما أنا من البشر ولست من الملائكة، وأنا ممن يخطئ ويصيب. وهو لا يريد إضافة الخطأ إلى نفسه في الحال، بل يكون الفايدة ما ذكرناها.
ووجه آخر: وهو إنا قد بينا في قصة آدم عليه السلام لما تأولنا قوله تعالى: (ربنا ظلمنا أنفسنا) أن المراد بذلك أنا نقصناها الثواب وبخسناها حظها منه، لأن الظلم في أصل اللغة هو النقص والثلم، ومن ترك المندوب إليه. وهو لو فعله لاستحق الثواب، يجوز أن يقال إنه ظلم نفسه من حيث نقصها ذلك الثواب، وليس يمتنع أن يكون يونس عليه السلام أراد هذا المعنى لأنه لا محالة قد ترك كثيرا من المندوب، فإن استيفاء جميع الندب يتعذر، وهذا أولي مما ذكره من جوز الصغائر على الأنبياء عليهم السلام، لأنهم يدعون أن خروجه كان بغير إذن من الله تعالى له. فكان قبيحا صغيرا، وليس ذلك بواجب على ما ظنوه، لأن ظاهر القرآن لا يقتضيه. وإنما أوقعهم في هذه الشبهة قوله (إني كنت من الظالمين). وقد بينا وجه ذلك وأنه ليس بواجب أن يكون خبرا عن المعصية، وليس لهم أن يقولوا كيف يسمى من ترك النفل بأنه ظالم؟ وذلك أنا قد بينا وجه هذه التسمية في اللغة وإن كان
(١٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 138 139 140 141 142 143 144 145 146 147 148 ... » »»
الفهرست