رجال تركوا بصمات على قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٨١
الحسن هلم نبايعك، فقال علي: لا حاجة لي في أمركم، أنا معكم، فمن اخترتم رضيت به: فاختاروا، فقالوا: والله ما نختار غيرك، فاختلفوا إليه بعدما قتل عثمان، وأكثروا القول: بأنه لا يصلح الناس إلا بأمره (1).
ولما أكثروا اللح عليه، ورأى أن المسلمين لا ولي لهم: قبل بالبيعة، وقال:
ففي المسجد، فإن بيعتي لا تكون خفية، ولا تكون إلا عن رضى المسلمين. فصعد علي المنبر، وكان أول من صعد إليه وبايعه طلحة، وكانت إصبع طلحة شلاء، فتشاءم علي (2).
وحين أذاع بيانه المتضمن لشروطه في قبول الخلافة، قال فيه: واعلموا أني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم، ولم أصغ إلى قول القائل وعتب العاتب (3).
وسارعت الأمة مذعنة لشروطه، ومدت إليه يد البيعة على الطاعة، وقد كانت من أولى مهامه (ع) أن يزيل صور الإنحراف المختلفة التي طرأت على الحياة الإسلامية، وأن يعود بالأمة إلى أصالة المنهج الإلهي، وقد انصب منهاج حكومته على مواجهة مشاكل الرعية فقد حدد الإمام علي (ع) مواصفات ولاة الأمر وموظفي الدولة، الذين يرشحهم الإسلام لإدارة شؤون الأمة الإسلامية ببيان جاء فيه: (انه لا ينبغي أن يكون الوالي على الفروج والدماء والمغانم والأحكام، وإمامة المسلمين: البخيل، فتكون في أموالهم نهمته، ولا الجاهل فيضلهم بجهله، ولا الجافي فيقطعهم بجفائه، ولا الحائف للدول فيتخذ قوما دون قوم، ولا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق، ويقف بها دون المقاطع، ولا المعطل للسنة فيهلك الأمة) (4).
ومن أجل ذلك رأينا أمير المؤمنين (ع) يبادر فورا إلى عزل الولاة والعمال، الذين كانوا سببا في ظلم الناس وإشاعة الباطل، ويعود بالأمة إلى قاعدة المساواة في توزيع العطاء، كما كان رسول الله (ص) يفعل (5).
وكما عمد الإمام علي (ع) إلى اصلاح الوضع السياسي والإداري للدولة الاسلامية كذلك فعل بالنسبة للوضع الاقتصادي، فقد بادر فور تسلمه زمام الأمور مباشرة إلى إلغاء طريقة العطاء التي كانت تفضل العرب على العجم.
فألغى الإمام (ع) كل أشكال التمييز في توزيع المال على الناس، مؤكدا أن التقوى، والسابقة في الإسلام والجهاد، والصحبة للرسول (ص): أمور لا تمنح أصحابها مراتب أو مميزات في الدنيا، وإنما لتلك المزايا ثوابها عند الله في الآخرة، وإن الناس سواسية في الحقوق المالية،

١ - راجع أنساب الأشراف للبلاذري ج ٥ ص ٧٠.
٢ - تاريخ الطبري ج ٥ ص ١٥٣، والمستدرك للحاكم، ج ٣ ص ١٤.
٣ - نهج البلاغة خ رقم ٩٢.
٤ - نهج البلاغة خ ١٣١.
٥ - محمد عبده / شرح نهج البلاغة ج ٨ ص ٢٦٩.
(٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 ... » »»