بمسؤولياتهم.
وقلنا أن بعد موت النبي (ص) اختلت موازين القوى، واتخذت قريش موقفا موحدا، وصار للهاشميين موقف آخر مختلف عنها، فقد اعتقد الهاشميون أنهم الأولى بالرسول حيا وميتا، لأنهم الأقرب إليه والألصق، والأكثر تضحية من أجله، واعتقدت بطون قريش (الثلاثة والعشرون) أن قبيلة قريش كلها قرابة للنبي وليس الهاشميون وحدهم (1). وأن من مصلحة الإسلام أن لا يجمع الهاشميون النبوة والخلافة معا، وحيث أن الهاشميين قد اختصوا بالنبوة، فينبغي أن تختص قريش بالخلافة (2).
وأمام وحدة قريش، فقد الهاشميون واقعيا مواقعهم، وفرضت قريش ما كانت تراه صوابا على الهاشميين، فقد اشتغلت الدولة الجديدة بعد موت النبي (ص) بحروب الردة، وكثرت نفقاتها والتزاماتها العسكرية، وازدادت حاجة الدولة الجديدة إلى الإنفاق، فصادرت سهم ذوي القربى، واجتهد الخليفة الأول بأن توزيع هذا السهم على مصالح الدولة وعلى الأمة، أولى وأصوب من حصره بالهاشميين، ونفذ الخلفاء والحكام الذين تلوه ما كان قد سنه أبو بكر، وصار عمل الخلفاء سنة، فلم يقووا على العمل بعكس سنن الخلفاء السابقين، لأنها ترسخت في النفوس وفي أذهان العامة، وصارت بمثابة العرف الذي يتعذر تغييره بدون حرج ولا استهجان.
ويبدو أن بعض الخلفاء وبعد أن استقامت أمورهم وانقادت الدنيا لهم، قد فكروا بإعطاء الهاشميين جزءا من سهم ذوي القربى، إلا أن الهاشميين رفضوا رفضا قاطعا أن يأخذوا جزءا، وأصروا بأنهم لن يقبلوا إلا بالحق كله (3).
ومع الأيام صار سهم ذوي القربى حقا خالصا للخليفة، يتصرف به على الوجه الذي يراه. قال ابن الأثير: أعطى عثمان عبد الله بن أبي سرح خمس الغزوة الأولى، وأعطى مروان بن الحكم خمس الغزوة الثانية التي افتتحت فيها جميع أفريقيا (4).
وقال ابن أبي الحديد: أعطى عبد الله بن أبي سرح جميع ما أفاء الله عليه من فتح أفريقيا، وهي من طرابلس الغرب إلى طنجة، من غير أن يشركه فيه أحدا من المسلمين (5).