رجال تركوا بصمات على قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٢
وسار علي (ع) حتى إذا وصل مكة وقف بمنى، وقرأ السورة المباركة، ثم نادى بأعلى صوته:
لا تدخل الكعبة إلا نفس مؤمنة، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان له عهد عند رسول الله فعهده إلى مدته، ومن لم يكن له عهد، فأجله أربعة أشهر (1).
- الله ورسوله يعدان الأمة لتقبل القيادة الهاشمية - الإعداد لعصر ما بعد النبوة:.
بمحمد النبي الأعظم (ص) صمد البطن الهاشمي المبارك، وتكسرت على صخرة هذا الصمود الفذ أعتى موجات الضغط والعداء، التي عرفتها البشرية خلال مدة ال‍ (خمسة عشر) عاما التي قضاها النبي في مكة قبيل الهجرة.
ومن المسلم به بأن دين الإسلام هو آخر الأديان، وفق الصيغة التي جاء بها رسول الله، وهو خاتم النبيين، وبوقت يطول أو يقصر، سينهي الله تعالى دورة الحياة الدنيا برمتها، وتقوم القيامة، حيث ستبدأ دورة الحياة العليا الآخرة، فاقتضت حكمته أن يرتب الأمور ترتيبا محكما، وأن يضع تحت تصرف المسلمين خاصة والبشرية جمعاء نظاما سياسيا، يستمر بعمر الحياة الدنيا، ويلبي كامل الطموحات البشرية الواعية، ومن استعراض التاريخ البشري عبر مسيرته الموغلة بالقدم إلى يومنا هذا، يتبين لنا أن سبب كل الخلافات والاختلافات في أي مجتمع بشرى تنبع بالضرورة من مصدرين، أحدهما الرئاسة، وثانيهما القانون، فمن هو المستحق للرئاسة؟ وما هو القانون الأفضل؟
فإذا حسمت هاتان المسألتان الرئيسيتان حسما مقنعا: انقطع دابر الخلاف والاختلاف في المجتمع، وهناك إجماع في كل المجتمعات البشرية على أن الرئيس أو القائد يجب أن يكون الأفصل والأعلم بالنواميس التي تسود المجتمع، وهنالك إجماع آخر على أن القانون السائد في المجتمع يجب أن يكون موضوعيا ومجردا وساريا على الجميع.
ولا يوجد في الدنيا فرد أو جماعة أو أمة، تستطيع أن تؤكد لنا على وجه الجزم واليقين أن هذا أو ذاك هو الأعلم والأفهم والأفضل والأنسب للقيادة والرئاسة.
إذن فالمطلب الحقيقي للجميع ليس الفرض والتخمين، إنما الجزم واليقين. لذلك فإن المؤهل والمختص بإعطاء وتقديم المعلومات اليقينية القائمة على الجزم واليقين هو الله جل وعلا، فهو الذي اختار محمدا (ص) وقدمه لنا رسولا ورئيسا وقائدا، وأكد لنا بأنه الأعلم والأفهم والأفضل والأنسب لقيادتنا، وحسمها نهائيا يوم حصر تعالى بنفسه حق اختيار الأفضل والأعلم أمام مشكلة القانون، فجنب المسلمين محذور الوقوع في المطبات التي وقعت فيها

1 - الطبرسي في أعلام الورى بأعلام الهدى ص 132، ومحمد حسين هيكل في حياة محمد ص 473.
(٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 ... » »»