رجال تركوا بصمات على قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢١٨
والسلام (1).
وهكذا حطم الإمام موسى بصبره وثقته بالله سبحانه كل وسائل الجور والارهاب، من السجن والضغط والقيود والتزييف وتضليل الرأي العام، فلم يكن أمام الرشيد الا الحل الأخير وهو اغتيال الامام وانهاء حياته الشريفة، وقد تخيل أنه سيسدل الستار بذلك على أروع فصل من فصول الجهاد والثورة ضد الطغيان، وسيطفئ نور الإمامة في أهل هذا البيت، ويتخلص من أعظم شخصية علمية وقيادية في عصره، لذلك أقدم على الجريمة الكبرى، وقرر اغتيال الامام.
شهادة الإمام الكاظم (ع):
رفض عيسى بن جعفر والى البصرة قتل الامام حين كلف بذلك واستعفى الرشيد منه، وطلب نقله من سجنه فنقله الرشيد إلى سجن الفضل بن الربيع، فأثرت شخصيته (ع) في نفس الفضل بن الربيع، كما أثرت في نفس عيسى بن جعفر من قبل، فرفض الفضل قتل الامام وتحمل أوزار الجريمة التي أراد منه الرشيد أن يرتكبها فلم يجد الرشيد بدا من نقله إلى الفضل بن يحيى، فاستلمه الفضل بن يحيى، ووسع عليه وخفف عنه أعباء السجن، وطلب منه الرشيد أن ينفذ في الامام جريمة القتل فرفض، وحينما علم الرشيد بالمعاملة الحسنة التي يبديها الفضل بن يحيى للامام شق عليه هذا الميل، وعظم عليه هذا الموقف فأمر بمعاقبة الفضل، فجرد من ثيابه، وضرب مئة سوط في مجلس العباس بن محمد.
فلم يجد الرشيد في أنصاره وحاشيته أفضل من مدير شرطته في بغداد، السندي بن شاهك، و كان فظا غليظا قاسيا - شأن كل الجلادين والقتلة -.
وكما رأينا من سير البحث فإن السندي بن شاهك قد تسلم الامام من الفضل بن يحيى، و وضعه في سجنه فأرهقه بالسلاسل والقيود، وضيق عليه وعامله معاملة خشنة قاسية، و حينما بلغ يحيى بن خالد خبر ابنه الفضل شق عليه موقف الرشيد من الفضل وضربه و إهانته، فأراد أن يسترضى الرشيد، ويستميله ويرد اعتبار الأسرة عند الحاكم العباسي. فلم ير ثمنا لشراء هذا الرضى الرخيص الا دم الامام الطاهر، وقطع هذا الغصن من شجرة النبوة وإغضاب رسول الله (ص) وفرى كبده.
فانطلق يحيى بن خالد إلى بغداد بعد أن تشاور مع الرشيد وأكد له أن الفضل شاب غير مجرب، ولا بارع في تنفيذ مخططات الجور والارهاب، فعرض عليه استعداده للتوجه إلى بغداد (2)، فسر الرشيد بهذا المنفذ المطيع وأذن له بارتكاب الجريمة النكراء، فتوجه يحيى بن خالد إلى بغداد يتأبط الشر. ويخطط لارتكاب الجريمة وما أن وصل بغداد حتى اجتمع بالسندي بن شاهك مدير شرطة الرشيد، وقدم له صورة المخطط وكيفية التنفيذ، فأجاب متقبلا طائعا فدس السم في رطب قدم

١ - المجلسي / البحار / ج ٤٨ / ص ٢٣١ نقلا عن المناقب.
2 - كان الرشيد وقتها في الرقة ببلاد الشام.
(٢١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 213 214 215 216 217 218 219 220 221 222 223 ... » »»