ومن الطبيعي أن يكتب كتاب التاريخ الرسميون للحكام ويخشون سطوتهم ويتملقونهم و يزيفون الحقائق، ويسبغون عليهم صفات العظمة والقدسية والمثالية، محاولين طمس الحقائق وتشويهها وقد دأب مؤرخو السلطات والمتزلفون للحكام الظلمة أن يمحوا صوت الحق من ضمير التاريخ، وأن يتجنبوا ذكر الرفض والمعارضة للتسلط والطغيان، بل و ربما أظهروا أهل الحق والعدل بمظهر المخربين والعصاة والخارجين على إرادة القانون، فكم قرأنا عن تاريخ بنى العباس وعن تاريخ الرشيد مثلا، وبأنه العصر الذهبي، و صحيح أن العلوم والمعارف تقدمت في هذه الفترة على يد العلماء والأدباء والمفكرين والفقهاء والفلاسفة والباحثين، الا أن سلطان بنى العباس كان يمثل الجور والتسلط والأثرة بأفظع ألوانها.
لقد تحمل الإمام الكاظم (ع) مسؤولية الإمامة في هذه الفترة الرهيبة ابتداء من سنة 148 ه وحتى سنة 183 ه وها نحن نستعرض هذه الفترة بشكل موجز ومتتابع وفق التسلسل التاريخي لسير الاحداث وتلاحق الوقائع:.
ففي عهد أبى جعفر المنصور عانى العلويون أشد المعاناة، ولحقهم الظلم والقتل والارهاب، ولوضوح الموقف لدى الإمام (ع) وعلمه بفشل المقاومة المسلحة إجتنب الاعلان عن موقفه، وأخفى معارضته لأبي جعفر المنصور حتى مرت سنون المنصور ثقيلة كئيبة على الامام، والطالبيين بصورة خاصة، وعلى المعارضة وعموم طبقات الأمة بصورة عامة، و كان أبو جعفر المنصور قد صادر أموال العلويين، وأدخلهم السجون وطاردهم تحت كل حجر ومدر، فسفك دماءهم، وبالغ في تعذيبهم، وتفنن في أساليب القتل، فكان يبنى عليهم الأسطوانات وهم أحياء، ويمنع عنهم الطعام والشراب، فيقتلهم جوعا في أعماق سجونه المظلمة الرهيبة، أو يثقلهم بالضرب والحديد حتى ينهكهم فيموتوا، وقد دامت فترة تولى الإمام الكاظم (ع) الإمامة في عهد المنصور نحو عشر سنوات حتى مات المنصور في الثالث من ذي الحجة سنة 158 ه، فآلت الخلافة من بعده لولى عهده وولده محمد المهدى، فاستقبل الناس الخبر بالارتياح، وأحسوا بطوق الارهاب قد فك عن رقابهم، الا أن الوجوم والخوف من اتجاه السياسة العباسية بصورة عامة لم يزل مخيما عليهم، والترقب والانتظار لسياسة الخليفة الجديد قد اتخذ طريقه إلى النفوس. وكان طبيعيا أن يلي الخلافة من بعده - وفق نظام الوراثة العباسي - ولده محمد المسمى بالمهدي، وكان المهدى يحس بالسياسة المجحفة الظالمة التي انتهجها أبوه، فحاول أن يخفف عن كاهل الرعية في مطلع خلافته، فأطلق سراح السجناء ورد الأموال المصادرة إلى أهلها، فشمل هذا القرار الطالبيين، فأخرجهم من السجون ورد أموالهم (1). وكان من جملة ما شمله القرار أموال الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) المصادرة، فردها إلى ولده الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام.