رجال تركوا بصمات على قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٠٤
ثورة فخ.
لمعت في سماء التاريخ الاسلامي وآفاقه أماكن وأحداث وشخصيات، ونزفت من قلب هذه الأمة وشرايينها دماء طاهرة سقت شجرة الايمان، وخطت فصول المجد والجهاد بأحرف مضيئة وبعناوين لامعة.
ومن هذه الأماكن والاحداث والشخصيات والدماء أرض فخ ووقعتها الكبرى، وقائدها العلوي الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، والكوكبة النيرة من طلائع آل أبي طالب، فكانت فخ حقا نجما في سماء التاريخ، كما كانت كربلاء المقدسة.
ان الذي يقف على وقعة فخ ومأساتها وأهميتها التاريخية والحركية، يدرك أنها تكرار لواقعة كربلاء وصدى لصوت الحسين السبط الشهيد (ع)، حتى أن الذي يقرأ تقريع زينب لأهل الكوفة، ويصغى إلى لوعتها وشكواها، لا يشك أن كربلاء تكررت في فخ، وأن مأساة أهل البيت تجددت في هذه الأرض الطاهرة، فزينب بنت الامام علي بن أبي طالب، بنت فاطمة بنت رسول الله الطاهرة (ص) بالأمس تخاطب أهل الكوفة، بعد أن شهدت المأساة ووقفت على مصارع أهل البيت (ع) وقتلاهم.
(ويلكم، أتدرون أي كبد لرسول الله فريتم؟ وأي كريمة له أبرزتم؟ وأي دم له سفكتم؟
وأي حرمة له انتهكتم؟).
ويعيد التاريخ نفسه فيحدثنا أن زينب بنت عبد الله بن الحسن بن الحسن ابن علي بن أبي طالب أم الحسين بن علي الخير صاحب ثورة فخ الشهيرة تعيش المأساة نفسها، وتعاني اللوعة ذاتها، تلك المرأة العابدة التي قتل أبو جعفر المنصور أباها وأخاها و عمومتها وبنيهم وزوجها، فكانت تلبس المسوح ولا تجعل بين جسدها وبينها شعارا حتى لحقت بالله عز وجل، وكانت تندبهم وتبكي حتى يغشى عليها، ولا تذكر أبا جعفر بسوء تحرجا من ذلك وكراهة لان تشفى نفسها بما يؤثمها ولا تزيد على أن تقول.
(يا فاطر السماوات والأرض، يا عالم الغيب والشهادة، الحاكم بين عباده أحكم بيننا و بين قومنا بالحق وأنت خير الحاكمين) (1).
ثم يأتي دور الحسين ولدها العلوي الثائر ليقتفى أثر الحسين السبط الشهيد، ويحمل راية الجهاد والشهادة، فيراق دمه الطاهر ويفجع به رسول الله (ص)، كما فجع من قبل في كربلاء، ولقد كانت هاتان الواقعتان (كربلاء، فخ) عظيمتين على نفس رسول الله وأهل بيته صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وكان قد أنبأ عنهما وبكى ألما ولوعة لما يجرى على أهل بيته فيهما.
اخبار النبي (ص) بواقعة فخ.
مر النبي (ص) بفخ فنزل فصلى ركعتين، فلما صلى الثانية بكى وهو في الصلاة، فلما

١ - أبو الفرج الأصفهاني / مقاتل الطالبيين / ص 431.
(٢٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 199 200 201 202 203 204 205 206 207 208 209 ... » »»