وتحدث أبو الفتح الشهرستاني في كتابه (الملل والنحل) عن الإمام الصادق (ع) وقال:
وقد أقام بالمدينة يفيد الشيعة المنتمين إليه، ويفيض على الموالين له أسرار العلوم، ثم دخل العراق وأقام بها مدة، ما تعرض للإمامة - أي للسلطة - قط، ولا نازع أحدا في الخلافة قط. ومن غرق في بحر المعرفة لم يطمع في شط، ومن تعلى ذروة الحقيقة لم يخف من حط (1).
وهذا مالك بن أنس امام المالكية يقول في جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام: كنت أرى جعفر بن محمد وكان كثير الدعابة والتبسم، فإذا ذكر عنده النبي اخضر واصفر، و لقد اختلفت إليه زمانا فما كنت أراه الا على ثلاث خصال: اما مصليا، واما قائما، و اما يقرأ القرآن، وما رأيته يحدث عن رسول الله الا على الطهارة، ولا يتكلم فيما لا يعنيه (2).
وتحدث الأستاذ محمد أبو زهرة شيخ الأزهر عن الإمام الصادق (ع) فقال: أما بعد فإننا قد اعتزمنا بعون الله وتوفيقه أن نكتب عن الإمام جعفر الصادق، وقد كتبنا عن سبعة من الأئمة الكرام، وما أخرنا الكتابة ة عنه لأنه دون أحدهم، بل أن له فضل السبعة على أكثرهم، وله على الأكابر منهم فضل خاص فقد كان أبو حنيفة يروى عنه، ويراه أعلم الناس باختلاف الناس، وأوسع الفقهاء إحاطة، وكان الامام مالك يختلف إليه دارسا راويا، وكان له فضل الأستاذية على أبي حنيفة ومالك: فحسبه ذلك فضلا، ولا يمكن أن يؤخر عن نقص، ولا يقدم غيره عليه عن فضل، وهو فوق هذا حفيد على زين العابدين (ع) الذي كان سيد أهل المدينة في عصره فضلا وشرفا ودينا وعلما، وقد تتلمذ له ابن شهاب الزهري، وكثيرون من التابعين، وهو ابن محمد الباقر الذي بقر العلم ووصل إلى لبابه، فهو ممن جمع الله تعالى له الشرف الذاتي والشرف الإضافي، بكريم النسب والقرابة الهاشمية والعترة المحمدية (3).
مدرسة الإمام الصادق (ع).
وكما عرفنا سابقا، فإن الإمام جعفر بن محمد (ع) هو أستاذ العلماء وامام الفقهاء، وهو امام عصره كما هو امام العصور وأستاذ الأجيال.
وقد انصرف هو وأبوه الباقر (ع) لإنشاء مدرسة أهل البيت العلمية، في مسجد رسول الله (ص) في المدينة المنورة، ثم أستمر في تنمية هذه الجامعة العلمية، ومواصلة حماية الشريعة، والدفاع عن عقيدة التوحيد بعد أبيه الباقر (ع)، وقد تخرج على يده جيل من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين والفلاسفة وعلماء الطبيعة... الخ.
وقد نشأت في عهد الإمام الصادق (ع) فرق ومذاهب فقهية واعتقادية كثيرة، كان