رجال تركوا بصمات على قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٩٥
الخلافة لا تكون الا لبني العباس، وأن ابنه محمدا يقتله المنصور، فقد جاء في حوار الإمام الصادق (ع) مع عبد الله بن الحسن.
ان هذا - يعنى أبا جعفر المنصور - يقتله على أحجار الزيت، ثم يقتل أخاه بعده بالطفوف، وقوائم فرسه في الماء. ثم قام مغضبا يجر رداءه، فتبعه أبو جعفر (يعنى المنصور وكان حاضرا المحاورة) فقال: أتدري ما قلت يا أبا عبد الله؟ قال: إي والله أدريه، وانه لكائن (1).
فلما ولى أبو جعفر الخلافة سمى جعفرا (الصادق)، وكان إذا ذكره قال: قال لي الصادق جعفر بن محمد كذا وكذا، فبقيت عليه (2).
لقد ثار محمد ذو النفس الزكية ضد ظلم أبى جعفر المنصور وتسلطه، ولم يكن الإمام الصادق (ع) يحمل في نفسه ضد المنصور، الا نفس الموقف والاحساس الذي يحمله محمد بن عبد الله بن الحسن، الا أن الفارق بينهما هو وضوح الرؤية، وشخوص الحقيقة للإمام الصادق ، وخفاؤها على ابن عمه محمد، لذلك كان (ع) يعارض الحركة، لأنه يعلم فشلها و ما تجر من مآس ومحنة على آل البيت (ع) عامة، وقد صدق ما أخبر به الإمام الصادق (ع).
وقد حدثنا التاريخ أن محمدا ذا النفس الزكية قد دعا لنفسه وعاش فترة متخفيا، و عند ما قبض على أبيه وأبناء عمومته وأهله، أعلن الثورة في المدينة ثم فشلت الثورة وقتل محمد، كما قتل ابنه على في مصر من بعده، وابنه عبد الله في السند، وقبض على ابنه الحسن في اليمن فحبس فيها ومات، واغتيل أخوه إدريس بالسم في بلاد المغرب، و أعلن الثورة أخوه إبراهيم من البصرة، وتوجه مع أنصاره باتجاه الكوفة، ولما بلغ المنصور خروجه، تحول فنزل الكوفة، حتى يأمن غائلة أهلها، وألزم الناس بلبس السواد - شعار الولاء للدولة العباسية - وجعل يقتل كل من اتهمه، أو يحبسه) (3).
وقد أدى ذلك إلى القضاء على معظم مؤيدي الحركة، وأخيرا قتل إبراهيم على مقربة من الكوفة.
وهكذا انتهت الثورة العلوية وجرت معها الكوارث والويلات على آل البيت (ع)، ولم يكن الإمام الصادق (ع) ليسلم من هذه المحنة، فقد كان الخليفة العباسي (المنصور) يطارده الخوف والشك من الإمام الصادق (ع)، ويتصوره اليد المحركة لكل حركة وثورة ضد بنى العباس، لذلك نجده يستدعى الإمام الصادق (ع) إلى العراق عند ما اشتد ساعد الدعوة التي قام بها محمد ذو النفس الزكية، ويتهم الامام بالمناوأة وإسناد ذي النفس الزكية، ويضيق عليه ويجرى معه محاكمة ليشعره

١ - أبو الفرج الأصفهاني / مقاتل الطالبيين / ص 256.
2 - أبو الفرج الأصفهاني / مقاتل الطالبين / ص 256. الشهرستاني / الملل والنحل / ج 1 / ط (القاهرة) / ص 139، وفيه: (وأخبرهم الصادق بجميع ما تم عليهم).
3 - الذهبي / العبر في خبر من غبر / ط (بيروت) / ج 1 / ص 53.
(١٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 190 191 192 193 194 195 196 197 198 199 200 ... » »»