رجال تركوا بصمات على قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٨١
رأيت الحكم بن عتيبة - مع جلالته في القوم - بين يديه كأنه صبي بين يدي معلمه (1).
آراء المفكرين ورجال العلم المعاصرين بفكر الإمام (ع).
1 - وفد عمرو بن عبيد - وهو من أئمة الاعتزال ومفكريهم (2) - على محمد ابن علي الباقر (ع) لامتحانه بالسؤال، فقال له:.
جعلت فداك ما معنى قوله تعالى: (أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما)، ما هذا الرتق وما هذا الفتق؟ قال أبو جعفر (ع): كانت السماء رتقا لا تنزل المطر، وكانت الأرض رتقا لا تخرج النبات، ففتق الله السماء بالقطر، وفتق الأرض بالنبات. فانقطع عمرو ولم يعترض بشئ. وعاد إليه مرة أخرى وقال: خبرني جعلت فداك عن قوله تعالى: (ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى)، ما ذلك الغضب؟ قال (ع):
العذاب يا عمرو، وانما يغضب المخلوق الذي يأتيه الشئ فيستفزه، ويغيره عن الحال التي هو بها إلى غيرها، فمن زعم أن الله يغيره الغضب والرضا ويزول عن هذا فقد وصفه بصفة المخلوق (3).
2 - قال محمد بن المنكدر - زعيم صوفي -:.
ما كنت أرى أن مثل على بن الحسين يدع خلقا يقارنه في الفضل حتى رأيت ابنه محمد بن علي ، وذلك انى أردت أن أعظه فوعظني، فقال أصحابه: بأي شئ وعظك؟ قال: خرجت إلى بعض نواحي المدينة في ساعة حارة فلقيت محمد بن علي، وكان رجلا بدينا وهو متكئ على غلامين له، فقلت في نفسي شيخ من شيوخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا، والله لأعظنه، فدنوت منه، فسلمت عليه، فسلم علي ببهر (4) وقد تصبب عرقا، فقلت: أصلحك الله، شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا!
لو جاء الموت وأنت على هذه الحال؟ قال: فخلى عن الغلامين من يده، ثم تساند وقال:
لو جاءني والله الموت وأنا في هذه الحال جاءني وأنا في طاعة من طاعات الله، أكف بها نفسي عنك، وعن الناس، وانما كنت أخاف الموت لو جاءني وأنا على معصية من معاصي الله. فقلت: يرحمك الله أردت أن أعظك فوعظتني (5).
وتبدو أهمية حديث الإمام الباقر (ع) مع ابن المنكدر إذا أعدنا إلى الأذهان أن هذا الأخير يدين بالتصوف والعزلة عن الحياة الدنيا، والاتجاه الاتكالي في أموره المعاشية على سواه من الناس، متذرعا بالانصراف للعبادة فحسب، الامر الذي لا

1 - المفيد / الارشاد / ص 263. الأمين / أعيان الشيعة نقلا عن الحلية وتذكر الخواص مع اختلاف يسير في الألفاظ.
2 - ابن خلكان / وفيات الأعيان / ج 3 / ص 460 / ط 1971 (بيروت).
3 - الطبرسي / الاحتجاج / ج 2 / ص 323 و 326.
* سلم على ببهر: سلم على بنفس متقطع.
5 - المفيد / الارشاد / ص 264.
(١٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 176 177 178 179 180 181 182 183 184 185 186 ... » »»