رجال تركوا بصمات على قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٨٣
وصل أخاك، وبر والدك، وإذا صنعت معروفا فربه (1).
هذه أمثلة من الفكر الباقري العظيم الذي يحتل مركز الزيادة في دنيا الفكر الاسلامي، في الماضي والحاضر وفي مستقبل الأجيال، وتتجلى مكانته العلمية إذا أمعنا النظر في أن الرحال كانت تشد إليه من أقطار العالم الاسلامي كافة، ويقصده رجالات الفكر الاسلامي وأصحاب المدارس الفقهية يوم ذاك.
السياسة الأموية في عصر الباقر (ع).
رحل الإمام السجاد (ع) إلى جوار ربه الاعلى سبحانه عام 95 ه‍ فنهض الإمام محمد الباقر (ع) بأعباء المسلمين، وقد امتدت إمامته تسع عشرة سنة، قضى منها زهاء السنتين في حكم الوليد بن عبد الملك السلطان الأموي، وسنتين في عهد سليمان بن عبد الملك وهي مدة حكمه فحسب.
ويبدو أن الظروف في عهده] سليمان بن عبد الملك [لم تشهد تطورا نحو الأحسن في العلاقة بين أهل البيت (ع) والبيت الأموي الحاكم، فان حادثة اغتيال الإمام السجاد (ع) بالسم، ومن قبلها مأساة الطف، ما زالت حية في النفوس.
ويبدو أن سليمان بن عبد الملك الذي كان يخشى على ملكه وسلطانه من أهل بيت النبوة (ع)، لا سيما وقد ارتكب جريمة اغتيال الإمام السجاد (ع) من قبل، قد انشغل طوال فترة حكمه القصيرة في تصفية كل القيادات التي اعتمدها أخوه الوليد من قبل، فقد صب حقده على أسرة الحجاج بسبب حقده على الحجاج ذاته لعوامل شخصية لسنا بصدد ذكرها الان، كما عزل ولاة الوليد البارزين وعاقب بعضهم بالموت كمحمد بن القاسم (2)، ومع انشغال سليمان بالإجهاز على ولاة الوليد، كان كذلك مشغولا بالطعام والنساء والبذخ بشكل جعل المؤرخين يقطعون بكونه أفسد ممن سبقه من سلاطين بنى أمية (3).
وبتولي عمر بن عبد العزيز قيادة الحكم الأموي، حدث تحول كبير لصالح الاسلام والدعوة، فبالرغم من قصر أيامه في الحكم، الا أن مواقفه من أهل البيت (ع) كان فيها الكثير من الإنصاف، فقد عمل على رفع الحيف عنهم، وأطاح ببعض أنواع الظلم الذي لحق بهم، فرفع السب عن الإمام علي (ع) من على المنابر، وهي سنة سنها معاوية، وعممها على الأمصار، فصار سنة يستن بها كل سلاطين بنى أمية في خطبة الجمعة، حتى عهد عمر بن عبد العزيز، الذي منعه، واستبدل به في خطبة الجمعة قول الله تعالى: (ان الله يأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء

1 - أسد حيدر / الإمام الصادق والمذاهب الأربعة / ج 2 / ص 455. وربه: أي أدمه، واستمر عليه.
2 - د. حسن إبراهيم حسن / تاريخ الاسلام / ج 1 / ط 7 1964 / ص 323.
3 - د. حسن إبراهيم حسن / تاريخ الاسلام / ج 1 / ص 324.
(١٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 178 179 180 181 182 183 184 185 186 187 188 ... » »»