هوانا؟! إرحلي إلى بلد آمن، ثم اجتمع عليها نساء بنى هاشم وتلطفن معها في الكلام، فاختارت مصر، وخرج معها من نساء بنى هاشم فاطمة ابنة الحسين وسكينة، فدخلت مصر لأيام بقيت من ذي الحجة، فاستقبلها الوالي مسلمة بن مخلد الأنصاري في جماعة معه، فانزلها داره بالحمراء، فأقامت به أحد عشر شهرا وخمسة عشر يوما، وتوفيت عشية يوم الأحد لخمسة عشر يوما مضت من رجب سنة اثنتين وستين للهجرة ودفنت بمخدعها في دار مسلمة المستجدة بالحمراء القصوى (1)، حيث بساتين عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري.
حياة الإمام محمد بن علي الباقر (ع).
ولادته: في غرة رجب من عام 57 من الهجرة النبوية المباركة، غمر بيت الرسالة الطاهر البهجة والسرور، احتفاء بميلاد الإمام محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع)، الذي سبق من سواه من مواليد ذلك البيت الطاهر، كونه أول وليد ينتهى في نسبه إلى على بن الحسين (ع) وفاطمة بنت الإمام الحسن (ع)، التي وصفها الإمام الصادق (ع) بأنها: صديقة لم تدرك في آل الحسن (ع) امرأة مثلها (2) فهو هاشمي من هاشميين، وشهد مأساة الطف في مستهل عمره الشريف، وتفيأ ظلال الرسالة والإمامة برعاية أبيه السجاد (ع) مدة سنوات إمامته، وتلقى علوم الاسلام وتراث الأنبياء (ع) من أبيه (ع). وقد بلغ الإمام الباقر (ع) الذروة في السمو نسبا وفكرا، وخلقا، مما منحه أهلية النهوض بأعباء المرجعية الفكرية والاجتماعية للأمة بعد أبيه (ع). ففي الإرشاد للمفيد وغيره في رواية الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري حيث يقول:
قال لي رسول الله: يوشك أن تبقى حتى تلقى ولدا لي من الحسين (ع) يقال له: محمد، يبقر علم الدين بقرا، فإذا لقيته فأقرئه عنى السلام (3).
وبناء على ذلك لقب محمد بن علي (ع) بالباقر، أي المتبحر بالعلم، والمستخرج لغوامضه ولبابه وأسراره، والمحيط بفنونه. واليك جملة من أقوال أعلام المسلمين بشتى مذاهبهم بشأن الإمام الباقر (ع):.
قال عبد الله بن عطاء المكي: ما رأيت العلماء عند أحد قط، أصغر منهم عند أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين (ع) (4).
وقال محيي الدين بن شرفة النووي: هو تابعي جليل، امام بارع مجمع على جلالته، معدود في فقهاء المدينة وأئمتهم، سمع جابرا وأنسا، وروى عنه أبو إسحاق وعطاء بن أبي رباح وعمرو بن دينار الأعرج، وهو أسن منه، والزهري وربيعة وخلائق آخرون من التابعين و