ابن ذي الجناحين، وسيد بنى هاشم، فقال عبد الله: كلا، بل سيدا بنى هاشم حسن وحسين، لا ينازعهما في ذلك أحد، فقال: أبا جعفر أقسمت عليك لما ذكرت حاجة لك قضيتها كائنة ما كانت، ولو ذهبت بجميع ما أملك، فقال: أما في هذا المجلس فلا، ثم انصرف، فأتبعه معاوية بصره فقال: والله لكأنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مشيه و خلقه وخلقه وأنه لمن شكله، ولوددت أنه ابني بنفيس ما أملك، ثم التفت إلى عمرو فقال: أبا عبد الله، ما تراه منعه من الكلام معك؟ قال: مالا خفاء به عنك، قال:
أظنك تقول: انه هاب جوابك، لا والله ولكنه ازدراك واستحقرك ولم يرك للكلام أهلا، أما رأيت اقباله علي دونك، زاهدا بنفسه عنك؟ فقال عمرو: هل لك أن تسمع ما أعددته لجوابه؟ قال معاوية: اذهب إليك أبا عبد الله فلات حين جواب سائر اليوم، ونهض معاوية وتفرق الناس.
وقال: قال الشعبي: دخل عبد الله بن جعفر على معاوية وعنده يزيد ابنه، فجعل يزيد يعرض بعبد الله في كلامه وينسبه إلى الاسراف في غير مرضات الله، فقال عبد الله ليزيد: انى لأرفع نفسي عن جوابك، ولو صاحب السرير لأجبته، فقال معاوية: كأنك تظن أنك أشرف منه؟ قال: أي والله ومنك ومن أبيك وجدك، فقال معاوية: ما كنت أحسب أن أحدا في عصر حرب بن أمية أشرف من حرب بن أمية، فقال عبد الله: بلى والله يا معاوية ان أشرف من حرب من أكفأ عليه اناءه وأجاره بردائه، قال: صدقت يا أبا جعفر.
أما وفاة عبد الله فكانت بالمدينة سنة ثمانين، أو أربع أو خمس وثمانين (1) عام الجحاف - سيل كان ببطن مكة جحف بالناس، فذهب بالحاج والجمال بأحمالها، وذلك في خلافة عبد الملك بن مروان - وصلى عليه السجاد أو الباقر عليهما السلام، وأمير المدينة يومئذ أبان بن عثمان.
قال في أسد الغابة: عبد الله بن جعفر أول مولود ولد في الاسلام بأرض الحبشة، وتوفي سنة ثمانين عام الجحاف بالمدينة، وأميرها أبان بن عثمان لعبد الملك بن مروان، فحضر غسل عبد الله وكفنه، والولائد خلف سريره قد شققن الجيوب، والناس يزدحمون على سريره، وأبان بن عثمان قد حمل السرير بين العمودين، فما فارقه حتى وضعه بالبقيع، ودموعه تسيل على خديه وهو يقول: كنت والله خيرا لا شر فيك، وكنت والله شريفا واصلا برا.