رجال تركوا بصمات على قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٨٤
والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون) (1).
وبالنظر إلى أن البيت الأموي لم يألف مهادنة أهل بيت الرسالة (ع) قط، فإن ابن عبد العزيز كان يواجه الضغط من بنى أمية بسبب سياسته الانفتاحية عليهم، فقد ورد عن الإمام الصادق (ع) عن أبيه قوله:.
لما ولى عمر بن عبد العزيز أعطانا عطايا عظيمة، فدخل عليه أخوه فقال له: ان بنى أمية لا ترضى منك بأن تفضل بنى فاطمة عليهم، فقال عمر: أفضلهم لأني سمعت، حتى لا أبالي ان لا اسمع ان رسول الله (ص) يقول: انما فاطمة شجنة (2) منى، يسرني ما أسرها ويسوؤني ما أساءها، فأنا أبتغي سرور رسول الله (ص) وأتقى مساءته (3).
على أن زعامة ابن عبد العزيز لم تدم أكثر من سنتين وخمسة أشهر، فتولى الحكم بعده يزيد بن عبد الملك، المشهور تاريخيا بلهوه وخلاعته وغزله الماجن. وإذا كان انشغال الأخير بأعمال الصبيانية ومجونه (64)، لم يعطه فرصة التصدي لمسيرة الاسلام التاريخية التي يقودها الإمام الباقر (ع)، فان تولى هشام بن عبد الملك لقيادة السياسة المنحرفة، قد خلق انعطافا تاريخيا لغير صالح الحركة الاسلامية، فالحاكم المذكور كان خشن الطبع، شديد البخل فظا، ناقما على المسلمين من غير العرب، فضاعف من حجم الضرائب المالية عليهم (4)، وأعاد أيام يزيد والحجاج الدموية، فتصدى له أهل البيت (ع) من خلال انتفاضة الشهيد زيد بن علي (ع)، التي كانت صدى لثورة الحسين (ع) وامتدادا لها، فاستشهد هو وأصحابه، وأمر الطاغية هشام بصلب جثته، ومن ثم حرقها (5) وذر رمادها في نهر الفرات!!!.
على أن الطغيان الأموي لم يكفه قتل زيد وأصحابه البررة، وانما اتجه نحو ضرب المواقع الأساسية للحركة الاسلامية التي يمثلها الإمام الباقر (ع) وتلامذته.
فقد أصدر هشام الحاكم الأموي قرارا يقضى بقتل جابر بن يزيد الجعفي، أبرز تلامذة الإمام الباقر (ع)، غير أن الامام قد أفشل مخطط القوم بالوسائل المتاحة لمنصب الإمامة الشرعية عادة، إذ أمر تلميذه بالتظاهر بالجنون، كطريق وحيد لضمان نجاته من القتل (6).
وبمقدورنا أن ندرك حجم الظلم الذي كان يصب على أتباع الرسالة الإلهية في ذلك العصر الكالح، حتى يضطر الرجل منهم - بالرغم من فضله وعلمه - إلى التظاهر بالجنون، وما ينجم عنه من إهانة الصبيان، أو لعبه معهم، كل ذلك درءا للقتل عن

١ - د. حسن إبراهيم حسن / تاريخ الاسلام / ج ١ / ص ٣٣٠.
* سجنة: الغصن المشتبك، والشعبة من كل شئ.
٣ - المجلسي / البحار / ج ٤٦ / ص ٣٢٠ نقلا عن قرب الاسناد.
٤ - د. حسن إبراهيم حسن / تاريخ الاسلام / ج ١ / (هشام بن عبد الملك).
٥ - د. حسن إبراهيم حسن / تاريخ الاسلام / ج ١ / (هشام بن عبد الملك).
٦ - ابن شهرآشوب / المناقب / ج 4 / ص 191.
(١٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 179 180 181 182 183 184 185 186 187 188 189 ... » »»