الجثث الطواهر الزواكي تنتابها العواسل (1)، وتعفرها أمهات الفراعل (2)، ولئن اتخذتنا مغنما لتجدنا وشيكا مغرما، حين لا تجد إلا ما قدمت يداك، وما ربك بظلام للعبيد، وإلى الله المشتكى، وعليه المعول، فكد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا تدرك أمدنا، ولا تدحض عنك عارها، وهل رأيك إلا فند (3)، وأيامك إلا عدد، وجمعك إلا بدد، يوم ينادي المنادي: ألا لعنة الله على الظالمين، فالحمد لله رب العالمين، الذي ختم لأولنا بالسعادة والمغفرة، ولآخرنا بالشهادة والرحمة، ونسأل الله أن يكمل لهم الثواب، و يوجب لهم المزيد، ويحسن علينا الخلافة، إنه رحيم ودود، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
فقال يزيد:.
يا صيحة تحمد من صوائح * ما أهون النوح على النوائح (4).
ومن شجاعتها الأدبية في مجلس يزيد:.
ما نقله أرباب المقاتل وغيرهم من رواة الأخبار: إن يزيد لعنه الله دعا بنساء أهل البيت والصبيان فأجلسوا بين يديه في مجلسه المشؤوم، فنظر شامي إلى فاطمة بنت الحسين، فقام إلى يزيد وقال: يا أمير هب لي هذه الجارية تكون خادمة عندي، قالت فاطمة بنت الحسين عليه السلام: فارتعدت فرائصي، وظننت أن ذلك جائز لهم، فأخذت بثياب عمتي زينب، فقلت: عمتاه أوتمت وأستخدم؟ فقالت عمتي للشامي: كذبت والله ولؤمت، ما جعل الله ذلك لك ولا لأميرك، فغضب يزيد وقال: كذبت والله، إن ذلك لي، ولو شئت أن أفعل لفعلت، قالت: كلا، والله ما جعل الله ذلك لك، إلا أن تخرج من ملتنا وتدين بغير ديننا، فاستطار يزيد غضبا وقال: إياي تستقبلين بهذا الكلام؟ إنما خرج من الدين أبوك وأخوك، فقالت زينب: بدين أبي وأخي اهتديت أنت و أبوك وجدك، إن كنت مسلما، قال: كذبت يا عدوة الله، قالت: يا يزيد أنت أمير تشتم ظالما، وتقهر بسلطانك، فكأنه استحيى وسكت، فأعاد الشامي كلامه: هب لي هذه الجارية، فقال له يزيد: أسكت وهب الله لك حتفا قاضيا.
وروى السيد ابن طاوس في اللهوف هذه الرواية كما يأتي: قال نظر رجل من أهل الشام إلى فاطمة بنت الحسين عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين، هب لي هذه الجارية، فقالت فاطمة لعمتها زينب عليها السلام: أوتمت وأستخدم؟ فقالت زينب عليها السلام: لا ، ولا كرامة