رجال تركوا بصمات على قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٤٨
أهل الشام (1).
ولا ريب أن هذه البيعة وقعت بعد أن أخرج عبيد الله بن زياد المختار من السجن، بعد شهادة الإمام الحسين (ع)، حيث ذهب المختار إلى مكة وهناك بايع لعبد الله بن الزبير.
فلابد من علاج هذه النقطة، إذ لو كان مواليا لأهل البيت (ع)، كيف يبايع عبد الله بن الزبير المعروف بمواقفه المعادية لأهل البيت؟.
وهنا توجد عدة تفسيرات لهذه البيعة وهي:.
1 - إنكار وجود مثل هذه البيعة، حيث يستبعد أن يبايع المختار مع وجود الإمام السجاد (ع) في المدينة.
2 - إن البيعة التي أعطاها المختار لعبد الله بن الزبير، توفر له فرصة لتحقيق أهدافه في الانتقام من بني أمية، وقتلة الحسين (ع)، حيث أن هذا الهدف قد ملك عليه شغاف قلبه، ولهذا ينقل عنه أنه كان يقاتل إلى جانب عبد الله بن الزبير الجيش الأموي، الذي بعثه يزيد بن معاوية لحصار مكة والقضاء على ابن الزبير، بقيادة الحصين بن نمير، بضراوة بالغة ونشاط ملحوظ (2).
وكان من ضمن الشروط التي وضعها المختار للبيعة: أن لا يمضي ابن الزبير أمرا من دون أن يعرضه على المختار، وأن يستعمله في أفضل أعماله لو ظهر، وهذه الشروط تتيح للمختار صلاحيات كبيرة يستطيع أن يتحرك من خلالها، لتحقيق أهدافه التي تختلف عن أهداف ابن الزبير.
ويبدو أن ابن الزبير قد أدرك غرض المختار، ولذلك رفض أن يستعمله في شئ رغم ظهوره النسبي، واتساع سلطانه في العالم الاسلامي، مما دفع بالمختار إلى ترك المدينة والتوجه نحو الكوفة، بهدف قيادة الحركة الشيعية التي برزت فيها (3).
3 - إن هذه البيعة كانت بحكم الأمر المفروض عليه، حيث أن سلطان ابن الزبير اتسع، و قد فرض عليه أن يعيش تحت هذا السلطان، وهو ليس من القوة بحيث يرفض البيعة لابن الزبير، فهي بيعة مفروضة عليه ولم يكن مقتنعا بها، ولهذا نجده ينقضها في أقرب فرصة سنحت له، وهذا اللون من المبايعة قد حصل من كبار الشخصيات المعروفة، كالزبير بن العوام الذي نقض بيعته للإمام علي بن أبي طالب (ع)، فليس فيه حرج على المختار.
4 - إن المختار بايع ابن الزبير بيعة مشروطة، وهي كما ينقلها ابن الأثير في تاريخه:.
فلو وفى عبد الله بن الزبير بشروط هذه البيعة، فهذا معناه أن المختار يحقق أهدافه السياسية، إلا أن ابن الزبير كان يعلم بحقيقة نوايا المختار ومذهبه السياسي، و لذلك لم يطمئن إلى جانبه، ويقول عن المختار حين طلب منه مبلغا من المال:.
إلى متى أماكر كذاب ثقيف ويماكرني، وكتب إليه جوابا على طلبه: والله ولا درهم (4).
والواقع، أن العلاقة بين المختار وبين ابن الزبير كانت علاقة حذرة، يسعى كل واحد منهما

(١٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 143 144 145 146 147 148 149 150 151 152 153 ... » »»