رجال تركوا بصمات على قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٣٦
كانت تهدف إلى التوعية العامة بأهداف الحسين (ع) - كسابقتها - وإظهار مظلومية آل الرسول (ص)، وتكثيف الولاء لهم: إلا أن الأفكار التي أذيعت في الكوفة كانت منصبة على مخاطبة وجدان الناس وضمائرهم، وتحميلهم المسؤولية كاملة.
ومن أجل ذلك وقف الإمام السجاد (ع) في دار الحكم الأموي، وبحضور يزيد بن معاوية و جميع أقطاب حكمه من رؤوس الظلال، وألقى بيانه الخالد معريا سياسة الأمويين الضالة، ومبينا من هم السبايا، وأي مقام رفيع يمثلون في أمة الاسلام وقد جاء في خطبته:.
... أيها الناس: أعطينا ستا وفضلنا بسبع، أعطينا العلم، والحلم ، والسماحة، والفصاحة، والشجاعة، والمحبة في قلوب المؤمنين، وفضلنا بأن منا النبي المختار، والصديق، والطيار، وأسد الله وأسد رسوله، ومنا سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء، وسبطا هذه الأمة،...
أنا ابن مكة ومنى، أنا ابن زمزم والصفا، أنا ابن من حمل الركن بأطراف الرداء، أنا ابن خير من ائتزر وارتدى، وخير من طاف وسعى، وحج ولبى، أنا ابن من حمل على البراق وبلغ سدرة المنتهى، فكان قاب قوسين أو أدنى، أنا ابن من صلى بملائكة السماء، أنا ابن من أوحى إليه الجليل ما أوحى، أنا ابن فاطمة الزهراء سيدة النساء، أنا ابن خديجة الكبرى، أنا ابن المرمل بالدماء، أنا ابن ذبيح كربلاء (1).
وحين بلغ الإمام السجاد (ع) هذه الفقرة من خطابه، استولى الذعر على الحاضرين وضج كثير منهم بالبكاء، بعد أن فوجئوا بالحقيقة: مما اضطر يزيد أن يأمر المؤذن أن يؤذن للصلاة، ليقطع على الامام خطبته، وخشية انقلاب الأمور بعد كشف الحقيقة عن طبيعة حكم آل أبي سفيان، أما عقائل آل محمد (ص) فقد مرغن أنوف بني أمية في الوحل، و أسقطن كبرياءهم وجبروتهم أمام مرأى أهل الشام، وستجد ذلك في خطبة عقيلة البيت العلوي زينب الكبرى (ع) التي ألقتها في مجلس الطاغية يزيد في دمشق، بعد انتهائنا من موضوع الإمام السجاد (ع).
وبعد مغادرة الإمام السجاد (ع) وأهل البيت الشام إلى العراق، ومن ثم إلى المدينة المنورة، اختط الامام منهجا جديدا لحركة الاسلام الاصلاحية، وشمر عن ساعدي الجد لبدء ثورة روحية وثقافية، وقد ساهمت الظروف التي تلت استشهاد الحسين (ع) وأهل بيته وصحبه الكرام في إنجاح خططه مبكرا، ويمكن حصر تلك الظروف تحت عاملين توافرا معا، ليكونا أرضية خصبة لنشر علوم أهل البيت (ع)، وإيضاح حقيقة الحكام، و سبل التصدي لهم:.
فالعامل الأول: الاضطراب السياسي والاجتماعي، الذي تفجر في أكثر مراكز العالم الاسلامي أهمية وتأثير، بعد مأساة الطف مباشرة، وأهم وقائعه:.
1) ثورة أهل المدينة عام 63 ه‍ بقيادة عبد الله بن حنظلة الأنصاري، التي قامت بعد استشهاد الإمام الحسين (ع) مباشرة، حيث كانت تعبيرا عن رفض الأمة العملي للحكم

1 - الاحتجاج للطبري ج 2 ص 49، ومقتل الحسين للمقرم ص 352.
(١٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 131 132 133 134 135 136 137 138 139 140 141 ... » »»