على السمو الفكري الشاهق الذي بلغه الإمام علي بن الحسين (ع):.
... فأما حق الله الأكبر عليك: فأن تعبده لا تشرك به شيئا، فإذا فعلت ذلك بإخلاص، جعل لك على نفسه أن يكفيك أمر الدنيا والآخرة، ويحفظ لك ما تحب منها.
وأما حق نفسك عليك: فأن تستعملها بطاعة الله عز وجل، فتؤدي إلى لسانك حقه، وإلى سمعك حقه، وإلى بصرك حقه، وإلى يدك حقها، وإلى رجلك حقها، وإلى بطنك حقه، وإلى فرجك حقه، وتستعين بالله على ذلك.
وأما حق اللسان: فإكرامه عن الخنا (1)، وتعويده على الخير، وحمله على الأدب، و إجمامه إلا لموضع الحاجة والمنفعة للدين والدنيا، وإعفاؤه من الفضول الشنعة، القليلة الفائدة، التي لا يؤمن ضررها مع قلة عائدتها، ويعد شاهد العقل والدليل عليه، وتزين العاقل بعقله حسن سيرته في لسانه، ولا قوة إلا بالله العظيم.
وأما حق رعيتك بالسلطان: فأن تعلم أنهم صاروا رعيتك لضعفهم وقوتك، فيجب أن تعدل فيهم، وتكون لهم كالوالد الرحيم، وتغفر لهم جهلهم، ولا تعجلهم بالعقوبة، و تشكر الله على ما أولاك، وعلى ما آتاك من القوة عليهم.
وحق جليسك: أن تلين له كنفك، وتطيب له جانبك، وتنصفه في مجاراة اللفظ، ولا تقوم من مجلسك إلا بإذنه، ومن يجلس إليك يجوز له القيام عنك بغير إذنك، وتنسى زلاته، وتحفظ خيراته، ولا تسمعه إلا خيرا.
وأما حق الجار: فحفظه غائبا، وكرامته شاهدا، ونصرته ومعونته في الحالين جميعا، لا تتبع له عورة، ولا تبحث له عن سوأة لتعرفها، فإن عرفتها منه عن غير إرادة منك ولا تكلف، كنت لما علمت حصنا حصينا وسترا ستيرا.
وأما حق الصلاة: فأن تعلم أنها وفادة إلى الله، وأنك قائم بها بين يدي الله، فإذا علمت ذلك كنت خليقا أن تقوم فيها مقام الذليل الراغب الراهب الخائف، الراجي المسكين المتضرع، المعظم من قام بين يديه بالسكون والإطراق، وخشوع الأطراف، ولين الجناح، وحسن المناجاة له في نفسه، والطلب إليه في فكاك رقبتك التي أحاطت بها خطيئتك، واستهلكتها ذنوبك، ولا قوة إلا بالله العظيم.
وأما حق الصوم: فأن تعلم أنه حجاب ضربه الله على لسانك وسمعك وبصرك وفرجك و بطنك: ليسترك به من النار، وهكذا جاء في الحديث: الصوم جنة من النار، فإن سكنت أطرافك في حجبتها رجوت أن تكون محجوبا، وإن أنت تركتها تضطرب في حجابها وترفع جنبات الحجاب، فتطلع إلى ما ليس لها بالنظرة الداعية للشهوة والقوة الخارجة عن حد التقية لله: لم تأمن أن تخرق الحجاب وتخرج منه.
وأما حق الصدقة: فأن تعلم أنها ذخرك عند ربك، ووديعتك التي لا تحتاج إلى الإشهاد، فإذا علمت ذلك كنت بما استودعته سرا أوثق بما استودعته علانية، وكنت جديرا أن لا تكون أسررت إليه أمرا أعلنته، وكان الأمر بينك وبينه فيها سرا على كل حال، ولم