رجال تركوا بصمات على قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٢٥
غلبت روح القبلي على كل شئ، ومن هنا غلب على الحياة فيها] الكوفة [طابع الجاهلية (1).
وعلى هذا فالكوفة] كانت [تتصف بطابع الخلافات، لضعف الروابط بين أهلها، واختلاف العناصر والقوميات، و تحكم العصبيات الجاهلية.
وحسبي من البيان ما قدمت في هذا العرض، لإعطاء صورة عن مجتمع الكوفة فقد رسم لنا المؤرخون لها صورة تمثل التقلبات، ووسموها بطابع الغدر والنفاق والخيانة، وجعلوا ذلك وسيلة للطعن في الشيعة، بعد أن أهملوا كل جانب من جوانبها الاجتماعية، ولم يلتفتوا إلى العوامل المهمة التي أدت بمجتمع الكوفة إلى انحلال الروابط، وازدياد الفتن والفوضى، وتباين الاتجاهات.
وعليه: فإن الكوفة لم تكن شيعية محضة، ولم تكن نزعتها العامة نزعة علوية، وإن ذلك الإطلاق في التسمية جاء متأخرا عن ذلك العصر، يوم اشتد الصراع العقائدي بين المذاهب، واستطاعت السياسة أن تفصل الشيعة عن المجتمع الإسلامي، وسار بعض علماء الحديث والفقهاء في ركاب الدولة، فمنعوا قبول رواية الشيعي: لأنه مبتدع - كما يقولون - وقسموا الشيعي إلى معتدل، ومخترق، ورافضي (2).
وكان إلحاح أهل الكوفة على الحسين (ع) بالقدوم إليهم، هو غاية ما يصبو إليه ذلك البلد، وكانت قد لاحت في الأفق علائم النصر على الأمويين إثر ورود كتاب سفيره ورائده مسلم بن عقيل (ع)، فضلا عن كتب أهل الكوفة ورسلهم، ولم يبلغه (ع) خلاف نشأ في الكوفة، وكما قلنا حينما شاع نبأ عزم الحسين (ع) على الخروج إلى العراق: اهتم يزيد لذلك الأمر، فاتخذ شتى الوسائل للحيلولة دون وصول ركبه إلى الكوفة. فأخذ يراسل جماعة من أعيان الصحابة لعرض وجهة نظرهم على الحسين في خروجه إلى العراق، ومنعه عن ذلك.
فكتب إلى ابن عباس كتابا جاء فيه: وجاءه] أي الحسين (ع) [رجال من أهل هذا المشرق فمنوه الخلافة، وعندك منهم خبرة وتجربة: فإن كان فعل فقد قطع أواشج القرابة، و أنت كبير أهل بيتك والمنظور إليهم، فاكففه عن السعي في الفرقة... الخ (3).
ولما شاع نبأ توجه الحسين (ع) إلى العراق في تلك اللحظة الحرجة - أصبحت السلطة أمام أهم مشكلة تقف أمام نفوذها، وذهبت المحاولة التي اتخذوها في مكة المكرمة هباء، إذ فشلت المؤامرة التي دبروها لقتله (ع) غيلة، وهذا الحادث هو أقوى وسيلة إعلام للثورة ضد الأمويين وحكمهم الجائر، ولم يك ذلك من باب المغامرة السياسية، ولا وسيلة عاجز عن إدراك ما يصبو إليه في مهمته، ولا حركة من الحركات التي يأمل القائمون بها الوصول من خلالها إلى أغراضهم الدنيوية: إنما هي حركة إصلاح دينية وغاية يتحقق فيها للمسلمين أعظم عوامل الظفر.

1 - التصور والتجديد في الشعر الأموي لشوقي منيف ج 80 ص 81.
2 - مع الحسين ونهضته لأسد حيدر ص 139.
3 - تاريخ ابن عساكر ج 4 ص 221.
(١٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 120 121 122 123 124 125 126 127 128 129 130 ... » »»