رجال تركوا بصمات على قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٣٥
قتيلا.
أما الإمام السجاد (ع) فقد قال له عباد البصري، وهو في طريق مكة: تركت الجهاد و صعوبته، وأقبلت على الحج ولينه و (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم و أموالهم) (1).
فأجابه الإمام السجاد (ع): إقرأ ما بعدها: (التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين) (2)، ثم قال (ع): إذا ظهر هؤلاء - يعني المؤمنين، حسب مواصفاتهم في الآية الكريمة - لم نؤثر على الجهاد شيئا (3).
الإمام السجاد (ع) يستكمل الدور الرسالي الذي بدأه الحسين (ع):.
لحكمة إلهية بالغة، بقي الإمام السجاد (ع) حيا بعد المجزرة الأموية الدموية التي حلت بآل محمد (ص) في كربلاء، فقد سأله المنهال: كيف أمسيت يا بن رسول الله؟ قال (ع):
أمسينا كمثل بني إسرائيل في آل فرعون، يذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم (4).
بعد أحداث كربلاء الدامية بدأ السجاد (ع) يقود الحركة الاصلاحية وفقا لمقتضيات المصلحة الاسلامية العليا، فقد تبنى الإمام (ع) وكرائم أهل البيت (ع) كزينب وأم كلثوم وغيرهما سياسة إسقاط الأقنعة التي غطى الأمويون وجوه سياساتهم البشعة الخطيرة بها، وتحميل الأمة كذلك مسؤوليتها التاريخية أمام الله والرسالة، فقد كان دور أسارى آل محمد (ص) منصبا على إلفات نظر الناس إلى جسامة الخطر الذي أحاق بهم بعد شهادة الإمام الحسين (ع)، وإلى حجم الجرم الذي ارتكبه بنو أمية بحق رسالة الله، وهذا ما نلمسه في الخطب كافة التي ألقيت بين جموع الناس في الكوفة والشام، ومن بينها الخطبة السجادية في جموع أهل الكوفة عندما وقفوا ينظرون إلى ركب آل محمد (ص)، مقيدين في الأغلال، في طريقهم إلى الشام: أيها الناس، من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أنا ابن من انتهكت حرمته، وسلبت نعمته، وانتهب ماله، وسبي عياله، أنا ابن المذبوح بشط الفرات، من غير ذحل ولا تراث، أنا ابن من قتل صبرا، وكفى بذلك فخرا.
أيها الناس: ناشدتكم الله، هل تعلمون أنكم كتبتم إلى أبي وخدعتموه، وأعطيتموه من أنفسكم العهود والميثاق والبيعة، وقاتلتموه؟ فتبا لكم لما قدمتم لأنفسكم، وسوأة لرأيكم، بأية عين تنظرون إلى رسول الله (ص)، إذ يقول لكم قتلتم عترتي، وانتهكتم حرمتي، فلستم من أمتي (5)، بيد أن مضامين الخطب وطبيعة الأحاديث قد تغيرت في الشام، فهي وإن

١ - التوبة: الآية ١١١.
٢ - التوبة: الآية ١١٢.
٣ - المناقب لابن شهرآشوب ج 4 ص 159، ومن لا يحضره الفقيه للصدوق ج 2 ص 141 باختلاف يسير في الألفاظ.
4 - الاحتجاج للطبري ج 2، ومقتل الحسين للمقرم ص 360.
5 - مقتل الحسين للمقرم ص 316.
(١٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 130 131 132 133 134 135 136 137 138 139 140 ... » »»