رجال تركوا بصمات على قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٣٢
بن الحسين] ع [: يا أخي إن كنت قلت ما في فأستغفر الله منه، وإن كنت قلت ما ليس في، يغفر الله لك، فقبل الحسن ما بين عينيه، وقال: بلى، قلت ما ليس فيك وأنا أحق به (1).
ومن مصاديق إنسانيته المثلى (ع)، أنه كان له ابن عم فكان علي بن الحسين (ع) يأتيه بالليل سرا متنكرا فيناوله شيئا من الدنانير، فيقول له: لكن علي بن الحسين لا يواصلني، لا جزا الله خيرا، فيسمع الإمام (ع) ذلك، ويتحمل ويصبر ولا يعرفه بنفسه، فلما رحل الإمام (ع) إلى ربه تعالى، فقد الرجل تلك الصلة المعتادة، فعلم أنها منه، فجاء إلى قبره باكيا.
وروى الطبري: إن هشام بن إسماعيل كان أميرا على المدينة، فأظهر القسوة وأشاع الإرهاب، وتحمل منه علي بن الحسين (ع) وأهل بيته الشئ الكثير، وقد عزله الوليد بن عبد الملك، وأمر بإيقافه أمام الناس ليجلد، فمر به علي بن الحسين (ع) وهو واقف عند دار مروان فسلم عليه، وأمر أتباعه بعدم التصدي له بمكروه، وقد أرسل إليه:
أنظر إلى ما أعجزك من مال تؤخذ به، فعندنا ما يسعك، فطب نفسا منا ومن كل من يطيعنا. فنادى هشام: الله أعلم حيث يجعل رسالته (2).
وعلى أثر قيام ثورة الحرة ولى بنو أمية الأدبار هاربين من بطش الثورة، وكان في طليعة الهاربين مروان بن الحكم، فاستغاث بعبد الله بن عمر بن الخطاب أن يؤدي له عياله، وفي طليعتهم زوجته عائشة بنت عثمان، فأبى عليه ابن عمر، فاستغاث بالإمام السجاد (ع) فما كان من الإمام إلا أن أغاثه، وأضاف أهله إلى أهله، وقابل إساءة بني أمية التاريخية لأهل البيت (ع) بمنتهى الإحسان (3).
وأما الجانب الفكري الذي - يتسم به الإمام (ع)، فقد أشرنا في حديث سابق إلى أن الرسول الأكرم (ص)، والأئمة الهداة من أهل بيت النبوة (ع)، قد تسنموا قمة التسلسل في درجات العلا في الشخصية الاسلامية، ومن هنا فإن الإمام السجاد (ع)، وجميع الأئمة الهداة (ع) قد توفر لهم من السمو العقلي الرائد، ما لم يتوفر لسواهم من البشر ممن هم دون الأنبياء (ع)، إذ لم يحدثنا تاريخ حياتهم قط أن أمرا قد أشكل عليهم في باب من أبواب المعرفة، أو أنهم قد تعذرت عليهم الإجابة عن سؤال أو استفسار أو إشكال، سواء في أمر فكري أو تشريعي أو علمي أو نحو ذلك.
وهذه فقرات من تراثه الفكري الخالد المعروف (برسالة الحقوق) إلى بعض أصحابه، وهي لائحة قانونية من الطراز الأول، تبرز ما للناس من حقوق، وما عليهم من واجبات، ثم تشخص الحقوق المتبادلة بين الأفراد والحاكم، إلى غير ذلك من مسائل حقوقية هي في مضمون الحضارة لحمتها وسداها، وهذه فقرات من تلك الرسالة الخالدة، نطرحها كمثال

١ - المناقب لابن شهرآشوب ج ٤ ص ١٥٧.
٢ - المناقب لابن شهرآشوب ج 4 ص 163، والإرشاد للقيد نقلا عن الطبري، وتذكرة الخواص لسبط بن الجوزي / أحوال علي بن الحسين.
3 - زين العابدين للمقرم ص 367 نقلا عن الطبري، والكامل لابن الأثير، ط بولاق مصر ج 4 ص 48.
(١٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 127 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 ... » »»