رجال تركوا بصمات على قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٣٤
تستظهر عليه فيما استودعته منها بإشهاد الأسماع والأبصار عليه بها، كأنها أوثق في نفسك وكأنك لا تثق به في تأدية وديعتك إليك، ثم لم تمتن بها على أحد لأنها لك، فإذا امتننت بها لم تأمن أن يكون بها مثل تهجين حالك منها إلى من مننت بها عليه، لأن في ذلك دليلا على أنك لم ترد نفسك بها، ولو أردت نفسك بها لم تمتن بها على أحد، ولا قوة إلا بالله.
وأما حق الشريك: فإن غاب كفيته، وإن حضر ساويته، ولا تعزم على حكمك دون حكمه، ولا تعمل برأيك دون مناظرته، وتحفظ عليه ماله، وتنفي عنه خيانته فيما عز أو هان، فإنه بلغنا: (إن يد الله على الشريكين ما لم يتخاونا) (1).
المواقف السياسية للإمام السجاد (ع):.
قبل التحدث عن دور الإمام علي بن الحسين زين العابدين (ع) في حركة الإسلام التاريخية، حري بنا أن نعيد إلى الأذهان مجددا أن الإمام - أي إمام من أئمة أهل البيت (ع) - كان يراعي الظروف النفسية والاجتماعية والفكرية والسياسية، التي تعيشها الأمة الإسلامية، عند ما كان يخطط لمسيرة الحركة الاصلاحية الإسلامية، فقد ألفيناه عند أبي الأئمة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)، وولديه الحسن والحسين (ع)، وما سنجده عند على بن الحسين (ع) أيضا، فعلي بن أبي طالب (ع) مر بثلاث مراحل في دوره في الحركة الاصلاحية: إذ أنه في عهد الرسول (ص) نجده جنديا مطيعا بأعلى درجات الطاعة، وأسمى معاني الانقياد والانضباط: ممارسا القتال حينا، ومبعوثا في مهمة من أجل الرسالة حينا آخر.
أما في عهد الخلفاء الثلاثة الذين سبقوه تاريخيا في إدارة دفة الحياة الاسلامية، فقد اختط (ع) طريق الحفاظ على أصالة الشرع الاسلامي، وبذل وسعه لتحقيق أكبر قدر من الممارسات في السياسة العامة والمجرى العام لمسار الحياة الاجتماعية، فهو يجمع القرآن الكريم، ويرشد الحكام، ويعظ المتجاوز، ويحذر من الانحراف، و يهدي إلى حيث الرشاد والحق.
وأما حين ألفت الأمة الاسلامية زمام أمرها بين يديه: فقد نهض بالأمر وقاد المسيرة وفقا للسنة النبوية الصحيحة، فألغى ما جرى من الانحرافات عن الرسالة، و غير الولاة، ووضع برامجه الاصلاحية في الحكم والإدارة، والاقتصاد وفقا لما تتطلبه طبيعة المسيرة الاصلاحية، ثم مارس سياسة العنف مع المنفلتين عن طاعته كإمام وخليفة للمسلمين.
وكما كان علي (ع) كان الحسن السبط عليه السلام، فالإمام الحسن (ع) في عهد أبيه غيره - في أساليبه التغييرية - في بداية حكمه، وكذا الحال في مرحلة ما بعد إبرام وثيقة الصلح.
إذن فإن دور أي امام، إنما تساهم الظروف والأحوال العامة في صنعه، فمثلا يقول الإمام الحسن (ع): يا أبا سعيد علة مصالحتي لمعاوية: علة مصالحة رسول الله (ص) لبني ضمرة وبني أشجع، ولأهل مكة حين انصرف من الحديبية. وأما الإمام الحسين (ع) فقد قال قبيل ثورته المباركة، بعد أن أجلى الغموض المحيط بأسباب نهضته المظفرة:
شاء الله أن يراني

١ - راجع الخصال للصدوق / رسالة الحقوق، وهي خمسون حقا، وتحف العقول للحراني، و غيرهما.
(١٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 129 130 131 132 133 134 135 136 137 138 139 ... » »»