الخوارج والشيعة - دكتر عبد الرحمن البدوي - الصفحة ٢١
عامة تقليدية من الإشارة إلى المنافسة بين القبائل العربية الشمالية والقبائل العربية الجنوبية على أساس أنها السبب الأعمق أيضا في الارتباك الذي وقع بصفين فإن صدق اليعقوبي فيكون الأشعث قد أثار حمية بني عشيرته اليمانية ضد أبناء القبائل العربية الشمالية الكثيرين في جيش علي خصوصا بني مالك. وبهذا يناقض ملر اليعقوبي وهو لا يدري إذ لو كان اليعقوبي صادقا لكان من الضروري أن يكون الأشتر من عرب الشمال والواقع أنه كان يمانيا.
أما في المرحلة التالية مرحلة عقد الصلح فقد شارك الأشعث بكل حماسة.
فبعد توقف القتال تقدم في الوساطة بين الفريقين وعد كذلك فذهب إلى معاوية وتلقى اقتراحه بعمل تحكيم. وعمل كل ما في وسعه من أجل وضع صلح مكتوب بين الفريقين على أساس هذا الاقتراح وهنا (لا من قبل) سمع من الأشتر كلمات موجعة وأذاع مضمون الصلح في معسكر أهل العراق: وبهذه المناسبة وقع أول احتجاج من جانب أدية (1). وإذن: فأين الخيانة في مسك الأشعث هذا؟
ليس هو الذي بدأ التيار وكل ما فعله أن سار فيه. لقد اندفع في أمر الصلح وبرز في عملية إجرائه وبهذا عاون على وقوع الكارثة. ولكن هذا ليس خيانة بعد ولم يكن ثمة ما يحول بينه وبين الانضمام إلى معاوية. كما فعل بعد ذلك كثير من أهل الكوفة وأن ينال منه جزاء يوداس (2). ولكنه لم يفعل شيئا من ذلك بل ظل على ولائه لعلي وظلت مكانته في الكوفة مرموقة كما كان من قبل وظل أبناؤه وأحفاده أنصارا لبيت علي ولم يظهروا ميلا إلى حكام الشام (الأمويين). نعم إن اليعقوبي قد نسب إليه بعد ذلك كل ألوان الشرور. ولكن رواية أبي مخنف تدل على أنه لم يفعل من بعد إلا ما فعله في صفين: سعى جهده ليبرز سيدا. بل يروي (الكامل) أنه أظهر إخلاصه لعلي في كثير من المواقف. فكان يدله على أعمال الخوارج وحذره من ابن ملجم. وأخيرا يتساءل المرء: ماذا طمع فيه من وراء هذه الخيانة المزعومة وماذا قال؟ إنه لم ينل مالا والعربي لا يقوم بمثل هذه الخدمات

(1) لا ضد وقف القتال كان احتجاج أدية بل ضد التحكيم وهكذا كان تفكيره هذا متأخرا وإن سبق غيره في ذلك.
(2) (يوداس الإسخريوطي: الحواري الذي خان السيد المسيح وباعه لأعدائه اليهود مقابل 20 شيكل).
(٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 15 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 ... » »»
الفهرست