التوابون - الدكتور إبراهيم بيضون - الصفحة ٨٤
وفي نفس الوقت لم تكن الحجاز بنظر الحسين الأرض الصالحة لحركة سياسية ناجحة، فقد أفسدها تطاحن الأحزاب وشراء الضمائر، واصرار معاوية على ابقائها معزولة عن الاحداث، فعاشت في الظل نحو ربع قرن من الزمن، فضلا عن قلة مواردها الاقتصادية (1) وعدم اكتفائها الذاتي الامر الذي كان يجعل من استمراريتها وحيدة في التصدي للنظام الأموي أمرا في غاية الصعوبة. لذلك كان العراق بضخامة موارده البشرية والاقتصادية، الأرض الصلبة التي توفر الطمأنينة، وتجعل فرص النجاح أقرب إلى التحقيق.
لبث ابن الزبير معتصما في المدينة المقدسة، يرقب من بعيد سير الاحداث، حتى جاءته الاخبار تنقل اليه مصرع الحسين في كربلاء، فلم يتردد في اتخاذ الموقف الذي كان يتوق إلى اتخاذه وهو اعلان الثورة على النظام الأموي والاستقلال بالحجاز، مستغلا كما حدث في المدينة بشاعة المجزرة في تكتيل الجماهير الغاضبة حوله وتحريكها بشكل عاصف ضد الأمويين قتلة الحسين، ولكن ثورته اختلفت عن ثورة المدينة بأن هذه الأخيرة انعكست عليها كربلاء بكل ما فجرته من غضب وحقد، بينما كان الطموح الشخصي

(1) الخربوطلي: عبد الله بن الزبير 92.
(٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 ... » »»