التوابون - الدكتور إبراهيم بيضون - الصفحة ٦٢
ولم يكن شأن البصرة بمختلف عن الكوفة، فهي رغم عدم مماشاتها هذه الأخيرة بنفس الحماسة في قضاياها السياسية، فان موقفها من النظام الأموي كان معروفا ولم يتعد حدود التسليم بالأمر الواقع. لذلك لم يكن عبد الله بن عامر، الوالي المعين في البصرة، الشخصية المؤهلة، بنظر معاوية، لتنفيذ سياسته العراقية. وأخذ حينئذ يبحث عن شخصية قوية يعهد إليها بحكم العراق بكامله حيث ضاق ذرعا بسلوك المغيرة في الكوفة، فوجد أن أفضل من يقوم بهذا الدور هو زياد بن أبيه عامل علي السابق على فارس، وكان لا يزال يحتفظ بمنصبه ويرفض الاعتراف بمعاوية. واستطاع معاوية اقناعه بالانضمام اليه وذلك بعدما استلحقه بأسرته (1). وقد شغل المغيرة دورا بارزا في اقناع زياد بالتخلي عن رفضه للنظام الأموي والانقلاب إلى التعاون معه.
ولم يلبث زياد أن صار أميرا على البصرة (45 هجري) فنجح في مهمته إلى حد كبير، وأدى لمعاوية فوق ما يتطلبه من خدمات. وكانت خطبته الشهيرة (البتراء) التي فاجأ بها أهل البصرة مؤشرا لسلوكه الجديد وبرنامجا واضحا لسياسته العراقية المقبلة التي ستمتد على كل العراق بعد وفاة المغيرة (2) وانتقال الكوفة اليه.

(1) تاريخ خليفة 1 / 241.
(2) تاريخ خليفة 1 / 247، سنة خمسين للهجرة.
(٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 ... » »»