التاريخ وحركة التقدم البشري ونظرة الإسلام - الشيخ محمد مهدي شمس الدين - الصفحة ١٨٦
نفاضة كنفاضة العكم (1) تعرككم عرك الأديم (2)، وتدوسكم دوس الحصيد (3) وتستخلص المؤمن من بينكم استخلاص الطير الحبة البطينة (4) من بين هزيل الحب (5).
في هذا النص يتابع الإمام الكشف عن وجوه المعاناة:
سيادة حكم الطغيان بسبب أن الشريعة مهملة من حيث التطبيق لأن الراية راية ضلال، ولذا فإن هذا الحكم يتصرف بوحي الغريزة لا على ضوء القانون، ونتيجة ذلك أن الحكم يدوس الأمة ويسحقها، ويذهب بكل صلابة وعنفوان فيها ليحولها إلى كيان مطواع لا إرادة له ولا اختيار، كالجلد الذي سحق وعرك حتى لان ففقد كل صلابة، وكالحصيد الذي ديس حتى تفتت.
ولكن الفتنة، مع ذلك، لا تفلح في القضاء على كل شئ، فرغم الظلم المادي والمعنوي، والتشويه الثقافي تبقى نخبة النخبة محافظة على ذاتها، إنها تكون قليلة العدد حقا، ولكنها أصيلة، صافية، منيعة على الطغيان، والتشويه والإغراء والإرهاب.
* ومن ذلك قوله عليه السلام:
تغيض فيها الحكمة (6)، وتنطق فيها الظلمة، وتدق أهل البدو بمسحلها (7) وترضهم بكلكلها (8) يضيع في غبارها الوحدان (9)، ويهلك في طريقها الركبان، ترد بمر القضاء، وتحلب عبيط

(1) النفاضة ما يسقط من الثوب أو البساط بالنفض، والعكم: العدل الذي يجعل على الدابة ويحمل فيه المتاع.
(2) العرك: الدلك الشديد، والأديم: الجلد.
(3) الحصيد: الغلات المحصودة.
(4) البطينة: السمينة.
(5) نهج البلاغة، الخطبة رقم: 108.
(6) تغيض: تختفي، يعني أن الحكمة في الفتنة تختفي في الناس فلا يتعاملون بما تقضي به من عدالة وأخلاق.
(7) المسحل: المبرد أو المطرقة.
(8) الرض: التهشيم. والكلكل: الصدر.
(9) الوحدان: جمع واحد، يعني المنفردون.
(١٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 181 182 183 184 185 186 187 188 189 190 191 ... » »»