الإسلام يتحدى - وحيد الدين خان - الصفحة ١٥٨
فإذا سلمنا بهذه النظرية واجهنا سؤالا هاما هو: ما العدل؟، وكيف يمكن تعيينه؟، وهكذا مرة أخرى، نرجع إلى جون آستين!.
ومرة أخرى نقف أمام ظاهرة أن الانسان لن يستطيع الكشف عن أساس واقعي للتشريع، رغم الجهود الجبارة التي بذلت في هذا الحقل منذ مئات السنين، ويزداد يوما بعد يوم شعور بالمرارة وخيبة الأمل بين رجال التشريع، لأن الفلسفة الحديثة قد فشلت في بحثها عن أهداف الدستور.
ويتساءل البروفسور جورج وهيتكروس باتون قائلا:
ما (المصالح) التي لابد للدستور المثالي أن يحافظ عليها؟ انه سؤال يتعلق بالقيم، ويدخل في دائرة فلسفة التشريع. وما أكثر ما نرجو من الفلسفة أن تساعدنا، ولكن ما أقل ما هي مستعدة لبذله في هذه السبيل. فقد فشلنا في الكشف عن ميزان للقيم يمكن قبوله لدى جميع الأطراف.
والحقيقة أنه ليس هناك من أساس لشيء من النظم الا للدين، ولكن الحقائق الدينية تصلح كعقيدة ووجدان، ولا يمكن قبولها على أساس الاستدلال المنطقي (1).
وقد نقل البروفسور باتون رأيا لبعض علماء التشريع؟ يقول: ان جميع محاولات الدراسة الفلسفية للبحث عن الأهداف في فلسفة التشريع قد انتهت إلى غير ما نتيجة (2). ويتساءل باتون: أهناك حقا قيم مثالية تحدد الأسس عند تطوير التشريعات؟
لم يتمكن المشرعون من التوصل إلى هذه القيم حتى الآن، غير أنها لابد منها. ويستطرد قائلا:
لقد استخرج أصحاب نظرية (القانون الطبيعي) القديمة أسسهم من الحقائق الإلهامية في الدين. ولكن إذا ما أردنا نحن أن نأتي بتشريع علماني، فأين سنجد أساس القيم المتفق عليها (3)؟.
وهذه التجربة المريرة تدعو الانسان للعودة إلى الجهة التي انحرف عنها منذ قرون. فقد كان الدين يسهم اسهاما فعالا في وضع دساتير في الزمن القديم.. ويرى خبير القانون المعروف السير هنري مين: أنه لا يوجد مثال واحد في القوانين، التي تم تسجيلها كتابة، من قانون الصين إلى بيرو، الا وكان ذا علاقة بالطقوس الدينية والعبادات منذ بداية أمره (4).

(1) A Text Book of Jurisprudence, p. 104.
(2) المصدر السابق: ص 106، (3) المصدر السابق؟ 109.
(4) Sir Henry Maine, Early Law & Custom, P. 5.
(١٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 152 153 155 156 157 158 159 160 161 162 163 ... » »»