تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ٢ق١ - الصفحة ١٧٢
بادية العراق والجزيرة والحجاز امرؤ القيس بن عمرو بن عدى وهو أول من تنصر من ملوك الحيرة وطال أمد ملكه (قال هشام بن الكلبي) ملك مائة وأربع عشرة سنة من لدن أيام سابور اه‍ وكان بهرام بن هرمز حليما وقورا وأحسن السيرة واقتدى بآبائه وكان مانى الثنوى الزنديق صاحب القول بالنور والظلمة قد ظهر في أيام جده سابور فاتبعه قليلا ثم رجع إلى المجوسية دين آبائه ولما ولى بهرام بن هرمز جمع الناس لامتحانه فأشادوا بكفره وقتله وقالوا زنديق قال المسعودي ومعناه ان من عدل عن ظاهر إلى تأويله ينسبونه إلى تفسير كتاب زرادشت الذي قدمنا أن اسمه زندة فيقولون زنديه ء فعربته العرب فقالوا زنديق ودخل فيه كل من خالف الظاهر إلى الباطن المنكر ثم اختص في عرف الشرع بمن يظهر الاسلام ويبطن الكفر ثم هلك بهرام بن هرمز لثلاث سنين وثلاثة أشهر من دولته وولى ابنه بهرام ثماني عشرة سنة عكف أولها على اللذات وامتدت أيدي بطانته إلى الرعايا بالجور والظلم فخربت الضياع والقرى حتى نبهه الموبذان لذلك بمثل ضربه له وذلك أنه سامره في ليلة فمر راجعا من الصيد فسمعا بومين يتحدثان في خراب فقال بهرام ليت شعري هل أحد فهم لغات الطير فقال له الموبذان نعم انا نعرف ذلك أيها الملك وانهما يتحاوران في عقد نكاح وان الأنثى اشترطت عليه اقطاع عشرين ضيعة من الخراب فقبل الذكر وقال إذا دامت أيام بهرام أقطعتك ألفا فتفطن بهرام لذلك وأفاق من غفلته وأشرف على أحوال ملكه مباشرا بنفسه وقابضا أيدي البطانة عن الرعية و حسنت أيامه إلى أن هلك وولى بعده بهرام بن بهرام بن بهرام ثلاثة أسماء متشابهة وتلقب شاه وكان مملكا على سجستان وهلك لأربع سنين من دولته وملك بعده أخوه قرسين بن بهرام تسع سنين أخرى وكان عادلا حسن السيرة وملك بعده ابنه هرمز بن قرسين فوجل منه الناس لفظاظته ثم أبدل من خلقه الشر بالخير وسار فيهم بالعدل والرفق والعمارة وهلك لسبع سنين من ولايته وكان هؤلاء كلهم ينزلون جنديسابور من خراسان ولما هلك ولم يترك ولد أشق ذلك على أهل مملكته لميلهم إليه ووجدوا ببعض نسائه حملا فتوجوه وانتظروا تمامه وقيل بل كان هرمز أبوه أوصى بالملك لذلك الحمل فقام أهل الدولة بتدبير الملك ينتظرون تمام الولد وشاع في أطراف المملكة انهم يتلومون صبيا في المهد فطمع فيهم الترك والروم وكانت بلاد العرب أدنى إلى بلادهم وهم أحوج إلى تناول الحبوب من البلاد لحاجتهم إليها بما هم فيه من الشظف وسوء العيش فسار منهم جمع من ناحية البحرين وبلاد القيس ووحاظه فأناخوا على بلاد فارس من ناحيتهم وغلبوا أهلها على الماشية والحرث والمعايش وأكثروا الفساد ومكثوا في ذلك حينا ولم يغزهم أحد من فارس ولا دافعوهم لصغر الملك حتى إذا كبر
(١٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 177 ... » »»