تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ٢ق١ - الصفحة ١٧٤
عليه فسار إليه في ثمانين من أشراف الروم وتلقاه سابور وعانقه وبالغ في اكرامه وعقد معه الصلح على أن يعطى الروم قيمة ما أفسدوه من بلاد فارس وأعطوا بدلا عن ذلك نصيبين فرضى بها أهل فارس وكانت مما أخذه الروم من أيديهم فملكها سابور وشرد عنها أهلها خوفا من سطوته فنقل إليها من أهل إصطخر وأصبهان وغيرهما وانصرف يوسانوس بالروم وهلك عن قرب ورجع سابور إلى بلاده وفيما نقله بعض الأخباريين ان سابور دخل بلاد الروم متنكرا وعثر عليه فأخذ وحبس في جلد ثور وزحف ملك الروم بعساكره إلى جند يسابور فحاصرها وان سابور هرب من حبسه ودخل جند يسابور المدينة ثم خرج إلى الروم فهزمهم وأسر ملكهم قيصر وأخذه بعمارة ما خرب من بلاده ونقل التراب والغروس إليها ثم قطع أنفه وبعث به على حمار إلى قومه وهي قصة واهية تشهد العادة بكذبها ثم هلك سابور لثنتين وسبعين سنة من ملكه وهو الذي بنى مدينة نيسابور وسجستان وبنى الإيوان المشهور لمقعد ملوكهم وملك لعهده أمرؤ القيس بن عدى وأوصى بالملك لأخيه أردشير بن هرمز وفتك في أشراف فارس وعظمائهم فخلعوه لأربعين سنة من دولته وملكوا سابور بن ذي الأكتاف فاستبشر الناس برجوع ملك أبيه إليه وأحسن السيرة ورفق بالرعية وحمل على ذلك العمال والوزراء والحاشية ولم يزل عادلا وخضع له عمه أردشير المخلوع وكانت له حروب مع إياد وفي ذلك يقول شاعرهم على رغم سابور بن سابور أصبحت * قباب إياد حولها الخيل والنعم - وقيل إن هذا الشعر انما قيل في سابور ذي الأكتاف ثم هلك سابور لخمس سنين من دولته وملك أخوه بهرام ويلقب كرمان شاه وكان حسن السياسة وهلك لاحدى عشرة سنة من دولته رماه بعض الرماة بسهم في القتال فقتله وملك بعده ابنه يزدجرد الأثيم وبعض نسابة الفرس يقول إنه أخوه وليس ابنه وانما هو ابن ذي الأكتاف وقال هشام ابن محمد كان فظا غليظا كثير المكر والخديعة يفرغ في ذلك عقله وقوة معرفته وكان معجبا برأيه سيئ الخلق كثير الحدة يستعظم الزلة الصغيرة ويرد الشفاعة من أهل بطانته متهما للناس قليل المكافأة وبالجملة فهو سيئ الأحوال مذمومها واستوزر لأول ولايته برسى الحكيم ويسمى فهر برشى ومهر مرسة وكان متقدما في الحكمة والفضائل وأمل أهل المملكة ان تهرب من يزدجرد الأثيم فلم يكن ذلك واشتد أمره على الاشراف بالإهانة وعلى من دونهم بالقتل وبينما هو جالس في مجلسه يوما إذا بفرس عابر لم يطق أحد إمساكه قد وقف ببابه فقام إليه ليتولى إمساكه بنفسه فرمحه فمات لوقته لاحدى وعشرين سنة من ملكه وملك بعده ابنه بهرام بن يزدجرد ويلقب ببهرام جور وكان نشوه ببلاد الحيرة مع العرب أسلمه أبوه إليهم فربى بينهم وتكلم بلغتهم
(١٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 169 170 171 172 173 174 175 176 177 178 179 ... » »»