تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ٢ق١ - الصفحة ١٧٣
وعرضوا عليه الأمور فأحسن فيها الفصل وبلغ ست عشرة سنة من عمره ثم أطاق حمل السلاح نهض حينئذ للاستبداد بملكه وكان أول شئ ابتدأ به شأن العرب فجهز إليهم العساكر وعهد إليهم أن لا يبقوا على أحد ممن لقوا منهم ثم شخص بنفسه إليهم وغزاهم وهم غازون ببلاد فارس فقتلهم أبرح القتل وهربوا امامه وأجاز البحر في طلبهم إلى الخط وتعدى إلى بلاد البحرين قتلا وتخريبا ثم غزا بعدها رؤس العرب من تميم وبكر وعبد القيس فأثخن فيهم وأباد عبد القيس ولحق فلهم بالرمال ثم أتى اليمامة فقتل وأسر وخرب ثم عطف إلى بلاد بكر وتغلب ما بين مملكة فارس ومناظر الروم بالشأم فقتل من وجد هنا لك من العرب وطم مياههم وأسكن من رجع إليه من بنى تغلب دارين من البحرين والخط ومن بنى تميم هجر ومن بكر بن وائل كرمان ويدعون بكر إياد ومن بنى حنظلة الأهواز وبنى مدينة الأنبار والكرخ والسوس وفيما قاله غيره ان إيادا كان تشتتوا بالجزيرة وتصيف بالعراق وتشن الغارة وكانت تسمى طما لانطباقها على البلاد وسابور يومئذ صغير حتى إذا بلغ القيام على ملكه شرع في غزوهم ورئيسهم يومئذ الحرث بن الأغر الأيادي وكتب إليهم بالنذر بذلك رجل من إياد كان بين ظهراني الفرس فلم يقبلوا حتى واقعتهم العساكر فاستلحمهم وخرجوا إلى أرض الجزيرة والموصل اجلاء ولم يعاودوا العراق ولما كان الفتح طلبهم المسلمون بالجزية مع تغلب وغيرهم فأنفوا ولحقوا بأرض الروم (وقال السهيلي) عند ذكر سابور بن هرمز انه كان يخلع أكتاف العرب ولذلك لقبه العرب ذو الأكتاف وانه أخذ عمرو بن تميم بأرضهم بالبحرين وله يومئذ ثلثمائة سنة وانه قال انما أقتلكم معاشر العرب لأنكم تزعمون أن لكم دولة فقال له عمرو بن تميم ليس هذا من الحزم أيها الملك فان يكن حقا فليس قتلك إياهم بدافعه وتكون قد اتخذت يدا عندهم ينتفع بها ولدك وأعقاب قومك فيقال انه استبقاه ورحم كبره ثم غزا سابور بلاد الروم وتوغل فيها ونازل حصونهم وكان ملوك الروم على عصره قسطنطين وهو أول من تنصر من ملوكهم وهلك قسطنطين وملك بعده اليانوس من أهل بيته وانحرف عن دين النصرانية وقتل الأساقفة وهدم البيع وجمع الروم وانحدر لقتال سابور واجتمعت العرب معهم لثارهم عند سابور بمن قتل منهم وسار قائد اليانوس واسمه يوسانوس في مائة وسبعين ألفا من المقاتلة حتى دخل أرض فارس وبلغ خبره وكثرة جموعه إلى سابور فأحجم عن اللقاء وأجفل وصحبه العرب ففضوا جموعه وهرب في فل من عسكره واحتوى اليانوس على خزائنه وأمواله واستولى على مدينة طبسون من مدائن ملكه ثم استنفر أهل النواحي واجتمعت إليه فارس وارتجع مدينة طبسون وأقاما متظاهرين وهلك اليانوس بسهم أصابه فبقي الروم فوضى وفزعوا إلى يوسانوس القائد أن يملكوه فشرط عليهم الرجوع إلى دين النصرانية كما كان قسطنطين فقبلوا وبعث إليه سابور في القدوم
(١٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 168 169 170 171 172 173 174 175 176 177 178 ... » »»